الحارث بن أبي شمر، وعلى جبلة بن الأيهم، وعلى معاوية رضي الله تعالى عنه حين بويع سنة أربعين. قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام مثلها. وكان قديم الإسلام. ولم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهداً. وكان يجبن. قال الحافظ ابن عساكر: نعم، كان جهاده بشعره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب له منبراً في المسجد يقوم عليه ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك على قريش أشد من رشق النبل. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجب عن رسول الله. اللهم أيده بروح القدس! وفي رواية: أهجهم أو هاجهم، وجبريل معك. وفي رواية: أن روح القدس معك ما هاجيتهم. وفي رواية: جبريل معينك. وفي رواية: إن الله يؤيد حسان بروح القدس، ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقال صاحب الأغاني بسنده إلى محمد بن جرير قال: كان حسان بن ثابت رضي الله عنه يوم الخندق في حصن بالمدينة مع النساء والصبيان لجبنه. قال: فمر رجل من اليهود، فجعل يطيف بالحصن فقالت حفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها يا حسان هذا يهودي كما ترى يطيف بالحصين. وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا. وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فانزل إليه فاقتله. فقال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب! قد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً، اعتجرت ثم أخذت عموداً ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته. فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن وقلت: يا حسان أنزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. فقال ما لي بسلبه حاجة! يا بنت عبد المطلب.
قال وحكى أنه كان قد ضرب وتداً في ذلك اليوم في جانب الأطم. فكان إذا حمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين، حمل على الوتد وضربه بالسيف، وإذا حمل المشركون، انحاز عن الوتد، كأنه يقاتل قرناً انتهى.
قلت: وقد رأيت بعضهم ينكر جبنه، واعتذر له بأنه كان يهاجي قريشاً ويذكر مثالبهم ومساويهم، ولم يبلغنا أن أحداً عيره بالجبن والفرار من الحروب. وقد هجا الحارث بن هشام بقوله:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجا الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا براس طمرة ولجام
وما أجابه بما ينقض عليه ويطعن عليه، بل اعتذر رضي الله تعالى عنه عن فراره