قيل في تعريفه: إنه عبارة عن عدم البصر عما من شأنه أن يبصر. وكذا الصمم عبارة عن عدم السمع عما من شأنه أن يسمع. فالعمى والصمم حينئذ معنيان وجوديان متضادان. وقد نازع الفلاسفة في هذا للمتكلمين نزاعاً شديداً. وقالوا إن تقابل السمع والصمم وتقابل العمى والبصر، تقابل العدم والملكة لا تقابل الضدين.
فصل من الناس من قال إن السمع أفضل من البصر. لأن الله تعالى حيث ذكرهما في كتابه العزيز، قدم السمع على البصر: حتى في قوله تعالى صم بكم عمي. فقدم متعلق السمع على متعلق العين، والتقدم دليل الفضيلة. ولأن السمع شرط في النبوة، بخلاف البصر. ولذلك لم يأت في الأنبياء صلى الله عليهم من كان أصم. وجاء فيهم من طرأ عليه العمى. وسيأتي الكلام على منع جواز العمى على الأنبياء صلى الله عليهم. قالوا وبالسمع تصل نتائج العقول. فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل بالمعارف والعلوم. وهو متصرف في الجهات الست، والبصر لا يتصرف إلا فيما يقابله من المرئيات. ولأن السمع أصل للنطق. ولهذا لا ترى الأخرس إلا أصم.
وقيل سبب خرسه أنه لم يسمع شيئاً ليحكيه. والبصر إذا بطل لم يبطل النطق. ومن قال إن البصر أفضل استدل بان قال: متعلق القوة الباصرة هو النور ومتعلق القوة السامعة هو الريح. والنور أفضل من الريح. قال صاحب الكشاف: البصر نور العين، كما أن البصيرة هي نور القلب. قلت: ولا شك أن أدلة فضيلة السمع أقوى من دليل فضيلة البصر.
وللشيخ تقي الدين أبي عباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى كراسة في ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.
خاتمة الأعمى هل له حظ في الرؤيا أولاً.
بعض الناس قال: الأعمى يرى المنامات وبعضهم قال: لا يرى.
والصحيح أن المسألة ذات تفصيل. وهو أن الأعمى، إن كان قد طرأ عليه العمى بعد ما ميز الأشياء فهذا يرى. لأن القوة المتخيلة منه ارتسم فيها صور الأشياء من المرئيات، على اختلاف