أن جاءه الأعمى. هذا الأعمى هو ابن أم مكتوم. وسيأتي الخلاف في اسمه عند ذكر اسمه. ويأتي ذكر أمه وهو الذي صار مؤذناً للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان قد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل ابن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام. فقال ابن أم مكتوم أقرئني وعلمني مما علمك الله. وكرر ذلك. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع كلامه وأعرض عنه. فنزلت هذه الآيات. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك ويقول إذا رآه مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ويقول: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين. وأورد الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى هنا سؤالات.
الأول إبن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؟ واستحقاقه لوجوه: الأول: إنه وإن كان أعمى لا يرى القوم لكنه يسمع كلامهم وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم. وكان يعرف بواسطة كلامه لهم شدة اهتمامه بشأنهم وكان اعتراضه وإلقاء كلامه في الناس قبل تمام عرض النبي صلى الله عليه وسلم معصية.
قلت: يحتمل أن ابن أم مكتوم طلع عليهم دفعة واحدة ولم يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم لهم ولا أحس بمن عنده من الصناديد. لأنه كان يعلم محل المذكورين فلا يقطع عليهم كلامه صلى الله عليه وسلم.
قال: والوجه الثاني. أن الأهم مقدم على المهم. وهو كان قد أسلم ويعلم ما يحتاج إليه من أمر الدين، وأولئك كانوا كفاراً وما أسلموا. وكان إسلامهم سبباً لإسلام جمع عظيم. فالقاء ابن أم مكتوم كلامه بين الناس سبب في قطع ذلك الخير العظيم.