وكان رحمه الله تعالى محققاً للمسائل، عارفاً بالخلاف، صحيح النقل لمذهبه ومذهب غيره، تام الأنس حسن المعشرة والخلق، ينبسط مع جلسائه بحسب أحوالهم. وكان لا يكاد يغلب في البحث والمجادلة والمعارضة. حكى الشيخ تقي الدين أبو الوليد محمد ابن إبراهيم بن عمر الخالدي الحنبلي وكان خصيصاً بالشيخ يقرا له الدروس والفتاوى ويكتب عنه ما يحتاج إليه ويطالع له، وكان ختن الشيخ على ابنته قال: حضرنا في خدمة الشيخ يوماً في ديوان المظالم، وكان الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى صاحب ديوان الإنشاء بالعراق حاضراً، فتكلم الجماعة، وتكلم الشيخ، فاستحسن الحاضرون كلام الشيخ، فقال له الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى: من أين الشيخ. فقال: من البصرة، فقال: ما المذهب؟ قال: حنبلي. قال: عجيب بصري حنبلي! فقال له الشيخ على الفور: ها هنا ما هو اعجب من هذا. فقال له: ما هو؟ قال: كردي رافضي. فأفحم الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى حتى لم يحر جواباً، وكان أصله كردياً، وكان متشيعاً.
[عبد الرحمن بن يحيى]
الأسدي الكفيف أبو القاسم. ابن الخواص المغربي. لم يكن أبوه خواصاً، ولكن سكن بالقيروان في سوق الخوص. قال بان رشيق في الأنموذج: أبو القاسم هذا شاعر مشهور، حسن الطريقة منقاد الطبع، لا يتكلف برئ من تعقيد أصحابه النحويين وبرد أشعارهم، مفنن في علم القرآن من مشكل وغريب وأحكام. ومن شعره:
دق لما يلقى من اللمس ... وفات درك الوهم والحس
كأنه مما به من ضنىً ... وهم جرى في خاطر النفس
ومنه:
أراك عيني كحيل الطرف ذي حور ... ظبي خلا أنه ظبي من البشر
أغني من الغصن قداً بالقوام كما ... أغنى بغرته عن طلعة القمر
يفتر عن أشنب عذب مراشفه ... كالمسك نكهته في ساعة السحر
مستملح الدل حلو الشكل ما نظرت ... إليه عين فلم تفتن من النظر
ما كان أحسن غذ تمت محاسنه ... لو تم لي منه إشفاق على ضرري