وكأنما سعى مؤنس في حتف نفسه، لأنه أول من قتله القاهر. وكان سن القاهر يوم بويع ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت خلافته سنة وستة أشهر وثمانية أيام، ولما توفي رحمه الله ببغداد دفن في دار محمد بن طاهر. وكان يسعى بين الصفوف في الجمع، ويقول: أيها الناس! تصدقوا على من كان يتصدق عليكم، تصدقوا على من كان خليفتكم.
ولما ولى الراضي أوقع القاهر في همه، بما يلقيه من فلتات لسانه، أن له بالقصر دفائن عظيمة من الأموال والجواهر. فأحضره وقال: ألا تدلني على دفائنك؟ قال: نعم. بعد تمنع يسير. وقال: احفروا المكان الفلاني والمكان الفلاني. وجعل يتتبع الأماكن التي كان عمرها أحسن عمارة واصطفاها لنفسه حتى خربها كلها، ولم يجدوا شيأً. فقال: لأني كنت عملتها لأتمتع بها فحرمتموني إياها وأذهبتم نور عيني، فلا أقل من أن أحرمكم التمتع بما عملته لي.
محمد بن أحمد: بن محمد بن أحمد. أبو جعفر السمناني، قاضي الموصل وشيخ الحنفية سكن بغداد، وحدث عن المرجي، والدارقطني. قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً حنفياً فاضلاً، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف. ذكره ابن حزم فقال: السمناني المكفوف، قاضي الموصل، من أكبر أصحاب الباقلاني، مقدم الأشعرية في وقته. ثم أخذ في التشنيع عليه. وتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
[محمد بن أحمد]
بن محمد بن حاضر. أبو عبد الله الضرير. المقرئ الشاعر، الأنباري. قدم بغداد وسكن باب البصرة. وكان موصوفاً بالصلاح والديانة. قال ابن النجار: وله قصيدة في السنة سماها الموضحة، سمعها منه محمد بن علي بن اللتي، ورواها عنه أبو علي الحسن ابن إسحاق بن موهوب الجواليقي. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعين وخمسمائة. ومن شعره يمدح الوزير عون الدين ابن هبيرة:
لك الجود والعدل الذي طبق الأرضا ... وبلج أياد بعضها يشبه البعضا
ورأى له ألحاظ بأس كأنها ... سيوف على الأعداء لكنها اقضى