للمبالغة. ولم يقل الظل ولا الحر لأن الظل هو شيء واحد يضاد أنواع الحر: من السموم، ومن حر النار، ومن تصاعد الأبخرة من الأرض الكبريتيه إلى غير ذلك مما يتوهج به الجو ويسخن به الهواء. فلذلك حسن إفراد الصيغة وتخصيص الحرور بهذه الصيغة.
فإن قلت: فقد قال تعالى تتفيأ ظلاله، فقد جمع الظل. قلت: إنما أراد هناك الجمع لأن الشمس إذا أشرقت ضرب ظل الشخص إلى جهة الغرب فكلما أخذت الشمس في الارتفاع أخذ الظل في التقلص شيئاً فشيئاً فصار كل قدر من الظل فرداً، ومجموع الأفراد من غاية الطول وهلم جراً إلى غاية القصر ظلال. وكذلك إذا جنحت الشمس ومالت عن الاستواء إلى جهة الغرب، برز الظل أقصر ما يكون، ثم تزايد شيئاً فشيئاً وتطاول إلى أن يبلغ الغاية في جهة المشرق. فثبت أن ظل الشرق وظل الغرب ظلال. والله الموفق للصواب.
وقوله تعالى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال مجاهد والضحاك ومقاتل أعمى عن الحجة. وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقيل إن هذا القول ضعيف لأنهم في يوم القيامة لا بد وإن يعلمهم الله تعالى ببطلان ما كانوا عليه حتى يتميز الحق عن الباطل. ومن تكون هذه حاله لا يوصف بذلك إلا مجازاً. يراد أنه كان من قبل كذلك. وحينئذ لا يليق بهذا قوله وقد كنت بصيراً ولم يكن كذلك في الدنيا. قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى: ومما يؤيد هذا الاعتراض أنه تعالى علل ذلك العمى بأن المكلف نسى الدلائل. فلو كان العمى الحاصل في الآخرة عين ذلك النسيان، لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر في الآخرة، كما انه لم يكن به ضرر في الدنيا. قال: الأرواح الحاصلة في الدنيا التي تفارق أبدانها جاهلة بكون جهلها سبباً لأعظم الآلام الروحانية.