كان بحرم سيدنا الخليل، عليه الصلاة والسلام: شخصان أعميان! أحدهما ناظر الحرم والآخر شيخه. فرام الناظر عزل الخطيب فعارضه الشيخ ومنعه. فقال له الناظر كأنك قد شاركتني في النظر. فقال له: لا بل في العمى. فاستحي واستمر الخطيب.
ودخل يزيد بن منصور الحميري على بشار وهو واقف بين يدي المهدي ينشد شعراً. فلما فرغ من إنشاده، أقبل يزيد بن منصور على بشار وقال له: ما صناعتك، يا شيخ، فقال له: أثقب اللؤلؤ. فضحك المهدي وقال لبشار: أغرب ويلك! اتتنادر على خالي؟ قال: وما أصنع به؟ يرى شيخاً أعمى قائماً ينشد الخليفة مديحاً، يقول له: ما صناعتك؟ قال بعضهم: رأيت ببغداد مكفوفاً يقول: من أعطاني حبة، سقاه الله من الحوض على يدي معاوية فتبعته حتى خلوت به ولطمته وقلت له يا كذا! عزلت أمير المؤمنين عن الحوض؟ فقال أردت أن اسقيهم بحبة على يد أمير المؤمنين؟ لا ولا كرامة! وقال الشافعي رضي الله عنه: رأيت باليمن أعميين يتقاتلان، وأبكم يصلح بينهما. قلت والأبكم الأخرس.
قال حماد بن إسحاق: غنى علوية يوماً بحضرة أبي:
فلا تبعد وكل فتىً سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
فقال أبي: مه! إن هذا البيت لمعرق في العمى.
الشعر لبشار بن برد الأعمى، والغناء فيه لأبي زكار الأعمى، وأول الشعر: عميت أمري.
قلت: حكى مسرور الخادم: قال لما أمرني الرشيد بضرب عنق جعفر البرمكي، دخلت عليه وأبو زكار عنده يغنيه: فلا تبعد البيت. فقلت في هذا والله أتيتك! وأخذت بيد جعفر وضربت عنقه. فقل أبو زكار: نشدتك بالله إلا ألحقتني به! فقلت له: وما رغبتك؟ قال: إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده. فقلت: استأمر أمير المؤمنين. ولما أتيت الرشيد برأس جعفر، ذكرت له أمر أبي زكار. فقال: هذا رجل فيه مصطنع. فانظر إلى ما كان يجريه عليه جعفر، فأقره عليه.
وقيل إن العمى شائع في بني عوف. إذا أسن الرجل منهم عمي. وقل من يفلت