قال الحافظ السلفي أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الأيادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره فرآه قاعداً على سجادة لبد وهو شيخ فان فدعا لي ومسح على رأسي. قال: وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما نادرو والأخرى غائرة جداً، وهو مجدور الوجه نحيفه. وقال أبو منصور الثعالبي: وكان حدثني أبو الحسين الدلفي المصيصي الشاعر وهو ممن لقيته قديماً وحديثاً في مدة ثلاثين سنة. قال لقيت بمعرة النعمان عجباً من العجب؟ رأيت أعمى شاعراً ظريفاً يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر انتهى. وقال المعري الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة، ورحل إلى بغداد ثم رجع إلى المعرة. وكان رحيله إليها سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. وأقام ببغداد سنة وسبعة أشهر. وقصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال ليصعد الاسطبل والاسطبل في لغة أهل الشام الأعمى فخرج مغضباً ولم يعد إليه. ودخل على المرتضى أبى القاسم، فعثر برجل، فقال من هذا الكلب، فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً. فقربه المرتضى وأدناه واختبره فوجده عالماً مشبعاً بالفطنة والذكاء، فأقبل عليه إقبالاً كثيراً. وكان المعري يتعصب لأبي الطيب كثيراً ويفضله على بشار وأبي النواس وأبي تمام، والمرتضى يبغضه ويتعصب عليه فجرى يوماً ذكره فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه، فقال المعري. لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله:
لك يا منازل في القلوب منازل
لكفاه فضلاً وشرفاً. فغضب المرتضى وأمر به فسحب برجله وأخرج من مجلسه. وقال لمن بحضرته: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة؟ فإن لأبي الطيب ما هو أجود منها لم يذكرها. فقيل السيد النقيب أعرف. فقال أراد قوله:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي باني كامل