إذا تنافست الجهال في حلل ... رأيتني وخسيس القطن سربالي
لا آكل الحيوان الدهر مأثرة ... أخاف من سوء أعمالي وآمالي
وأعبد الله لا أرجو مثابته ... لكن تعبد إكرام وإجلال
أصون ديني عن جعل أؤمله ... إذا تعبد أقوام بأجعال
وكان المعري من بيت علم وفضل ورياسة، له جماعة من أقاربه قضاة وعلماء وشعراء. مثل سليمان بن أحمد بن سليمان جده، قاضي المعرة وولي القضاء بحمص، ووالده عبد الله ابن سليمان كان شاعراً، وأخيه محمد بن عبد الله وهو أسن من أبي العلاء وله شعر، وأبي الهيثم أخي أبي العلاء وله شعر، وجاء من بعده جماعة من أهل بيته ولوا القضاء وقالوا الشعر ورأسوا ساقهم الصاحب كمال الدين بن العديم على الترتيب وذكر أشعارهم وأخبارهم في مصنفه دفع التجري. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. وولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بالمعرة. وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشرة سنة وتسع وأربعين وأربعمائة. وجد رفي السنة الثالثة من عمره فعمى، وكان يقول لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوباً مصنوعاً بالعصفر لا أعقل غير ذلك. ولما مات رثاه علي بن همام فقال من قصيدة طويلة:
إن كنت ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من عيني دماً
سيرت ذكرك في البلاد كأنه ... مسك فسامعه تضمخ أو فما
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة ... ذكراك أوجب فدية من أحرما
وقال أبو الرضا عبد الوهاب بن نوت المعري يرثيه:
سمر الرماح وبيض الهند تشتور ... في أخذ ثارك والأقدار تعتذر
والدهر ناقد أهل العلم قاطبة ... كأنهم بك في ذا القبر قد قبروا
فهل ترى بك دار العلم عالمة ... أن قد تزعزع منها الركن والحجر