فمن كبد تدنى إلى كبد هوى ... ومن شفة توحى إلى شفة رشفا
بعيشك نبه كأسه وجفونه ... فقد نبّه الابريق من بعد ما أغفى
وقد فكت الظلماء بعض قيودها ... وقد قام جيش الليل للفجر واصطفا
وولت نجومٌ لثريا كأنها ... خواتم تبدو في بنان يد تخفى
ومر على آثارها دبرانه ... كصاحب ردءٍ كمنّت خيله خلفا
وأقبلت الشعري العبور ملمة ... بمرزمها اليعبوب تجنبه طرفا
وقد قابلتها أختها من وارئها ... لتخرق من ثيي مجرتها سجفا
تخاف زئير الليث قدم نثرة ... وبربر في الظلماء ينسفها نسفا
كأن السماكين اللذين تظاهرا ... على لبدتيه ضامنان له حتفا
فذا رامح يهوي إليه سنانه ... وذا أعزل قد عض أنمله لهفا
كأن الرقيب النجم أجدل مرقب ... يقلب تحت الليل في ريشه طرفا
كأن بني نعش ونعشاً مطافل ... بوجرة قد أضللن في مهمه خشفا
كأن سهيلاً في مطالع أفقه ... مفارق إلف لم يجد بعده إلفا
كأن سهاها عاشق بين عوّد ... فآونة يبدو وآونة يخفى
كأن معلي قطبها فارس له ... لوا آن مركوزان تذكره الزحفا
كأن قدامى النسر والنسر واقع ... قصصن فلم تسم الخوافي به ضعفا
كأن أخاه حين دوّم طائراً ... أتى دون نصف البدر فاختطف النصفا
كأن الهزيع الآبنوسي أونة ... سرى بالنسيج الخسرواني ملتفا
كأن ظلام الليل إن مال ميلة ... صريع مدام بات يشربها صرفا
كأن عمود الصبح خاقان معشر ... من الترك نادى بالنجاشيّ فاستخفى
كأن لواء الشمس غرة جعفر ... رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا
وقد جاشت الظلماء بيضاً صوارما ... ومارنة سمراً وفضفاضة زغفا
وجاءت عتاق الخيل تردى كأنما ... تخط له أقلام آذانها صحفا
هنالك تلقى جعفراً غير جعفر ... وقد بدّلت يمناه من رفقها عنفا
وكأن تراه في الكريهة جاعلاً ... عزائمه برقاً وصولته خطفا
وكأن تراه في المقامة جاعلاً ... مشاهده فصلاً وخطبته حرفا
وتأتي عطاياه عداد جنوده ... فما افترقت صنفاً ولا اجتمعت صنفا
ويعي بما يأتي خطيب وشاعر ... وإن جاوز الإطناب واستغرق الوصفا
هو الدهر إلاّ أنني لا أرى له ... على غير من ناواه خطباً ولا صرفا
إذا شهد الهيجاء مدت به يد ... كأن عليها دملجاً منه أو وقفا
وصال بها غضبان لو سقي الذي ... تريق عواليه من الدم ما استشفى
جزيل النوى والبأس تصد كفه ... وقد نازلت ألفاً وقد وهبت ألفا
وهي طويلة جداً فلنقتصر منها على هذا المقدار وقد نقلته من ديوانه ولأبي الحسن حازم بن محمد القرطاجني قصيدة مثلها في الحسن والوزن والقافية أولها
سلا ظبية الوعساء هل فقدت خشفا ... فأنا لمحنا في مراتعها ظلفا
وقولاً لخوط البان فليمسك الصبا ... علينا فإنا قد عرفنا بها عرفا
سرت من هضاب الشام وهي مريضة ... فما ظهرت إلاّ وقد كاد أن تخفى
عليلة أنفاس تداوي بها الجوي ... وضعفاً ولكن لا نرجي بها ضعفا
وها وقفة بالبان تملي غرامها ... علينا وتتلو من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكي الفراق جهالة ... وقد جاوبت من كل ناحية إلفا
ويشجو قلوب العارفين حنينها ... وما فهموا مما تغنت به حرفا