وقد استعمل في بعض فقراته الابهام من البديع. الحمد لله الذي جعل روضة الأدب جنة جارية الأنهار فلا تزال رياً. وأورث تلك الجنة من عباده من كان تقياً. أحمده على أن زين سماء الفضائل بنجوم كلما انقض كوكب منها اطلع كوكباً سنياً. وأشكره على أن أكسب المتحلى بها شرفاً يحيي به ذكراً. ويحيي قدراً. ومكاناً علياً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أنزل على عبده قرآناً عربياً. وأعجز البلغاء أن يأتوا بسورة من مثله حصراً وعياً. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث هدى ورحمه. القائل إن من الشعر لحكمه. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه. وشيعته وتابعيه وأنصاره وذريته وأحزابه. صلاة وسلاماً دائمين متلاحقين تلاحق الأفكار. متعاقبين تعاقب العشي والأبكار. ما صدح عندليب البراعه. وصدع على منبر البيان خطيب اليراعه. وبعد فقد وقفت على هذا التصدير الذي تصدر صاحبه على أقرانه. والتعجيز الذي أعجز ببرازته في مضمار رهانه. المجعول بيت قصيده وواسطة در فريده. أعظم سلاطين العصر. أشرف الأساطين الحاف بألوية النصر. ملك الحجاز وابن ملوكه. حلية جيد الفخر وواسطة عقد سلوكه. ذي الشيم التي أنبأت عن كرم العناصر. والهمم التي أنالته من المناقب ما تعقد عليه الخناصر. والهيبة التي تركت الأسود وأجمة في الآجام. وطرقت حتى قلوب الأجنة في الأرحام. ليث السراة الصيد من بني هاشم. غوث الطريد فما لجاره من حاشم. الشجاع الذي تحدث عن وقفاته الخيل والرجل. وتكاثر مآثره الحصى والقطر والرمل. الملك المفتخرة بدولته الأيام والليالي. الجواد المجمع بتشتت شمل ماله شمل المعالي. الطود الذي لا يعتصم منه بشوامخ الجبال ولو تحصن فيها الأعصم لا نصدع. الهمام الذي ما تناهيت في وصي مناقبه إلا وأكثر مما قلت ما ادع. سلطان الحرمين الشريفين. الذاب ببيضه وسمره عن المحلين المنيفين. سيدنا ومولانا السيد الشريف المحسن بن الحسين بن الحسن. خلد الله ملكه على توالي الزمن. آمين. فإذا منشيه قد أجاد في النظم والانشا. وما كل من أخذ القلم وشى. ووفق بعجيب تصرفه بين معوج المعاني ومعتدلها وطابق. وكأنه قصد الرد على الطغرائي في قوله وهل يطابق. ولعمري لقد نسق ذلك التصدير نسق التسطير. وسبك ذلك التعجيز سبك الابريز. فتراه إذا أخرج بيتاً عن معناه. تلاعب به فيما اخترعه من مبناه. وإذا طبق المعني بالمعنى وأبقاه على أصله. أوصله إلى غاية الاعجاب بفعله. وألف بينهما ائتلاف اللحم والعظم. ودل بذلك على علو رتبته في النظم. وكيف لا وهو الفاضل الذي فاق الأقران. وطلع نجمه في أسعد قران. الشيخ الأوحد. ذو الكمالات التي لا تجحد. أبو الفلاح تقي الدين بن الشيخ يحيى شرف الدين السنجاري. المكاثر بمآثره الدراري. فلقد حقق فيه الظنون. وشارك في شتى من الفنون. وغذى لبان حب الكمال في المهد. وخطب عروس الفضيلة فأجابته سافرة الوجه بادية النهد. وأمهرها تطليق النوم ومواصلة السهر. في اكتساب ما تتشنف به المسامع ويطيب معه السمر. فلم يزل فيما يشرف الفكر. ويصل على تلك الحال عشياته بالبكر. ويداب في الاشتغال والتحصيل. ويتعب نفسه في التفريع والتأصيل. ويطابق بينهما مطابقة الاجمال للتفصيل. إلى أن حصل من ذلك على ما ترجم عنه لسان حاله. وبرهن عليه ببيان مقاله. وسودته النفس العصامية على أقرانه وأمثاله. وسولت له همته العلياء حكاية حياكة ما لم ينسج على منواله. فقصد أن يسبك درر الأسلاك. ويتصرف فيها تصرف الملاك. أو المنجم الماهر في إدراك الأفلاك. فانتبذت منه مكاناً قصياً. وقالت لعلمها بقدرته على تصرفه كيف شاء أني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً. فما فتئ حتى سبكها في قالب الألفاظ. وسبكها في سوق العبارة لا في سوق عكاظ. وأماط عن وجوه المعاني البديعة النقاب. وأتى في ذلك بالعجب العجاب. فالله أسال. وبنبيه أتوسل. إن تبلغه من خيري الدنيا والآخرة ما أمله. ويسهل له كل طريق أم له. آمين. والحمد لله رب العالمين.
وكتب إليه أيضاً مراجعاً وضمنه لغزاً في خوخ أهداه إليه وقد أبدع. فيما أودع.