للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زمانه، وفارس ميدانه، والمقدَّم على أقرانه، وامتدَّت إليه الأعين، وانتشر صيته في البلدان، ورُحِلَ إليه من كلِّ مكانٍ.

وأمَّا من أخذ عن البخاريِّ؛ فقال الذَّهبيُّ وغيره: إنَّه حدَّث بالحجاز والعراق وما وراء النَّهر، وكتبوا عنه وما في وجهه شعرةٌ، وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم قديمًا، وروى عنه من أصحاب الكتب: التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ، على نزاعٍ في النَّسائيِّ، والأصحُّ: أنَّه لم يرو عنه شيئًا، وروى عنه مسلمٌ في غير «الصَّحيح»، ومحمَّد بن نصرٍ المروزيُّ الفقيه، وصالح بن محمَّدٍ جَزَرَة الحافظ، وأبو بكر بن أبي عاصم ومُطيَّن وأبو العبَّاس السَّرَّاج وأبو بكر بن خزيمة وأبو قريش محمَّد بن جمعة ويحيى بن محمَّد بن صاعدٍ وإبراهيم بن معقلٍ النَّسفيُّ ومهيب بن سليمٍ وسهل بن شاذويه ومحمَّد بن يوسف الفَِرَبْريِّ ومحمَّد بن أحمد بن دَلُّوْيَه وعبد الله بن محمَّدٍ الأشقر ومحمَّد بن هارون الحضرميُّ والحسين بن إسماعيل المحامليُّ وأبو عليٍّ الحسن بن محمَّدٍ الدَّاركيُّ وأحمد بن حمدون الأعمش وأبو بكرٍ بن أبي داود ومحمود بن عنبرٍ النَّسفيُّ وجعفر بن محمَّد بن الحسن الجزريُّ وأبو حامد بن الشَّرقيِّ وأخوه أبو محمَّدٍ عبد الله ومحمَّد بن سليمان بن فارسٍ ومحمَّد بن المسيّب الأرغيانيُّ ومحمَّد بن هارون الرُّوياني وخلقٌ، وآخر من روى عنه «الجامع الصَّحيح» منصور بن محمَّدٍ البزدويُّ المُتوفَّى سنة تسعٍ وعشرين وثلاث مئةٍ، وآخر من زعم أنَّه سمع من البخاريِّ موتًا أبو ظهيرٍ عبد الله بن فارسٍ البلخيُّ، المُتوفَّى سنة ستٍّ وأربعين وثلاث مئةٍ، وآخر من روى حديثه عاليًا خطيب الموصل في «الدُّعاء» للمحامليِّ بينه وبينه ثلاثة رجالٍ.

وأمَّا ذكاؤه وسَعَةُ حفظه وسيلان ذهنه؛ فقِيلَ: إنَّه كان يحفظ وهو صبيٌّ سبعين ألف حديثٍ سردًا، ورُوِيَ أنَّه كان ينظر في الكتاب مرَّةً واحدةً فيحفظ ما فيه من نظرةٍ واحدةٍ.

وقال محمَّد بن أبي حاتم ورَّاقه: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخرَ يقولان: كان البخاريُّ يختلف معنا إلى السَّماع وهو غلامٌ، فلا يكتب حتَّى أتى على ذلك أيَّامٌ، فكنَّا نقول له، فقال: إنَّكما قد أكثرتما عليَّ، فاعرضا عليَّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد ذلك على خمسة عشر ألف حديثٍ، فقرأها كلَّها عن ظهر قلبه، حتَّى جعلنا نُحكْم كُتُبَنا من حفظه، ثمَّ قال: أترون أنِّي أختلف هدرًا وأضيِّع أيَّامي، فعرفنا أنَّه لا يتقدَّمه أحدٌ. قالا: فكان أهل المعرفة يغدون خلفه في طلب الحديث وهو شابٌّ، حتَّى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطرق، فيجتمع عليه ألوفٌ، أكثرهم ممَّن يُكْتَب عنه، وكان شابًّا.

وقال محمَّد بن أبي حاتمٍ: سمعت سليمان بن مجاهدٍ يقول: كنت عند محمَّد بن سلامٍ البيكنديِّ، فقال لي: لو جئت قبلُ لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديثٍ، قال: فخرجت في طلبه، فلقيته، فقلت: أنت الذي تقول: أنا أحفظ سبعين ألف حديثٍ؟ قال: نعم؛ وأكثر، ولا أجيبك بحديثٍ عن الصَّحابة والتَّابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصَّحابة والتَّابعين إلَّا ولي في ذلك أصلٌ أحفظه حفظًا عن كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله .

وقال ابن عديٍّ: حدَّثني محمَّد بن أحمد القومسيُّ: سمعت محمَّد ابن عمرويه يقول: سمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: أحفظ مئة ألف حديثٍ صحيحٍ، وأحفظ مئتي ألف حديثٍ غير صحيحٍ، وقال: أخرجت هذا الكتاب -يعني: «الجامع الصَّحيح» - من نحو ستِّ مئة ألف حديثٍ، وقال: دخلت بَلْخ، فسألوني أنْ أُملي عليهم لكلِّ من كتبت عنه، فأمليت ألف حديثٍ عن ألف شيخٍ، وقال: تذكَّرت يومًا في أصحاب أنسٍ، فحضرني في ساعةٍ ثلاث مئة نفسٍ.

وقال ورَّاقه: عمل كتابًا في «الهبة» فيه نحو خمس مئة حديثٍ، وقال: ليس في كتاب وكيع في «الهبة» إلَّا حديثان مسندان أو ثلاثةٌ، وفي كتاب ابن المبارك خمسةٌ أو نحوها.

وقال أيضًا: سمعت البخاريَّ يقول: كنت في مجلس الفريابيِّ، فسمعته يقول: حدَّثنا سفيان عن أبي عروة عن أبي الخطَّاب عن أنسٍ: «أنَّ النَّبيَّ كان يطوف على نسائه في غسلٍ واحدٍ» [خ¦٢٨٤]، فلم يعرف أحدٌ في المجلس أبا عروة ولا أبا الخطَّاب، فقلت: أمَّا أبو عروة؛ فمَعْمَر، وأما أبو الخطَّاب؛ فقتادة. قال: وكان الثَّوريُّ فعولًا لهذا؛ يكنِّي المشهورين.

وقال محمَّد بن أبي حاتمٍ أيضًا: قدم رجاء الحافظ، فقال لأبي عبد الله: ما أعددت لقدومي حين بلغك؟ وفي أيِّ شيءٍ نظرت؟ قال: ما أحدثت نظرًا ولا استعددت لذلك، فإن أحببت أن تسألني عن شيءٍ فافعل، فجعل يناظره في أشياء، فبقي رجاء لا يدري، ثمَّ قال أبو عبد الله: هل لك في الزِّيادة؟ فقال استحياءً منه وخجلًا: نعم، ثمَّ قال: سل إن شئت، فأخذ في أسامي أيُّوب، فعدَّ نحوًا من ثلاثة عشر، وأبو عبد الله ساكتٌ، فظنَّ رجاء أنَّه قد صنع شيئًا، فقال: يا أبا عبد الله، فاتك خيرٌ كثيرٌ، فزيَّف أبو عبد الله في أولئك سبعةً، وأغرب عليه أكثر من ستِّين رجلًا، ثمَّ قال لرجاء: كم رويت في العمامة السَّوداء؟ قال: هات كم رويت أنت؟ قال: يُروَى من أربعين حديثًا، فخجل رجاء، ويبس ريقه.

وأمَّا كثرة اطِّلاعه على علل الحديث؛ فقد رُوِينا عن مسلم بن الحجَّاج أنَّه قال له: دعني أقبِّل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيِّد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله.

وقال

قوله: (صِيْتُهُ) بكسر الصاد المهملة؛ أي: ذِكره الحسن.

قوله: (وَرُحِلَ) بضم الراء مبنيًا للمجهول؛ أي: رحل الناس إليه للأخذ عنه.

قوله: (جَزَرَة) بجيم فزاي محركتين.

قوله: (وَمُطَيَّن) بضم الميم وفتح الطاء المهملة والمثناة التحتية آخره نون.

قوله: (ابْنُ سَاذُوْيَهْ) بسين مهملة (١) وذال معجمة مضمومة فواو ساكنة فتحتية مفتوحة فهاء ساكنة، فارسي.

قوله: (ابْنُ دَلُّوْيَه) بفتح الدال المهملة، وضمِّ اللام المشددة وإسكان الواو، آخره هاء، فارسي كالذي قبله.

قوله: (وَرَّاقُهُ) بتشديد الراء وبعد القاف ضميرٌ عائدٌ على البُخَاري؛ أي: الذي كان يأخذ منه الوَرَق.

قوله: (نُحْكِمُ كُتُبَنَا) بضمِّ النون وكسرِ الكاف؛ أي: نضبطها ونُتقنها.

قوله: (إلَّا وَلِي فِيْ ذَلِكَ)؛ أي: في مضمونه.

قوله: (ابْنَ حَمْرَوَيه) بفتح الحاء المهملة والراء والواو وإسكان الميم والمثناة التحتية بعد الواو، آخره هاء.

قوله: (فَعُوْلًا لِهَذَا)؛ أي: كثيرَ الفعل لهذا الذي ذكره بعد بقوله: (يُكَنِّي المَشْهُوْرِيْنَ).

قوله: (فَزَيَّفَ … ) إلى آخره؛ أي: ذكرَ زَيْفَهُم؛ أي: رداءتهم كنايةً عن إيرادِ جَرْحِهِم.

قوله: (وَيَبِسَ رِيْقُهُ) بفتح الموحدة؛ أي: جَفَّ


(١) تعليق موسوعة البخاري: كذا قال، وهو في كتب التراجم كافة بالشين المعجمة.

<<  <   >  >>