الأوزاعيِّ عن الزُّهريِّ مُرسَلًا، ورواه معمر عن الزُّهريِّ عن ابن أبي صُعَيرةَ عن جابرٍ، ورواه سليمان بن كثيرٍ عن الزُّهريِّ، حدَّثني مَنْ سمع جابرًا، وهو حديثٌ مضطربٌ. انتهى. قال الحافظ ابن حجرٍ: أطلق الدَّارقطنيُّ القول بأنَّه مضطربٌ مع إمكان نفي الاضطراب عنه؛ بأن يفسَّر المبهم بالذي في رواية اللَّيث، وتُحمَل رواية معمر على أنَّ الزُّهريَّ سمعه من شيخين، وأمَّا رواية الأوزاعيِّ المُرسَلة فقصَّر فيها بحذف الوساطة، فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه، وقد ساق البخاريُّ ذكر الخلاف فيه، وإنَّما أخرج رواية الأوزاعيِّ مع انقطاعها؛ لأنَّ الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن اللَّيث والأوزاعيِّ جميعًا عن الزُّهريِّ، فأسقط الأوزاعيُّ عبد الرَّحمن بن كعبٍ، وأثبته اللَّيث، وهما في الزُّهريِّ سواءٌ، وقد صرَّحا بسماعهما له منه، فقبل زيادة الليث؛ لثقته، ثمَّ قال بعد ذلك: ورواه سليمان بن كثيرٍ عن الزُّهريِّ عمَّن سمع جابرًا، وأراد بذلك إثباتَ الواسطة بين الزُّهريِّ وبين جابرٍ فيه في الجملة، وتأكيدَ رواية اللَّيث بذلك، ولم يرها علَّةً توجب اضطرابًا. وأمَّا رواية معمرٍ فقد وافقه عليها سفيان بن عُيَيْنَة، فرواه عن الزُّهريِّ عن ابن أبي صُعيرٍ، وقال: ثبَّتني فيه معمرٌ، فرجعت روايته إلى رواية معمرٍ.
ثالثها: ما تفرَّد بعض الرُّواة بزيادةٍ فيه دون مَنْ هو أكثر عددًا، أو أضبط ممَّن لم يذكرها، فهذا لا يؤثِّر التَّعليل به، إلَّا إن كانت الزِّيادة منافيةً بحيث يتعذَّر الجمع، أمَّا إذا كانت الزِّيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقلِّ فلا نعم؛ إن صحَّ بالدَّلائل أنَّ تلك الزِّيادة مُدرجَةٌ من كلام بعض رواته فيؤثِّر ذلك.
رابعها: ما تفرّد به بعض الرُّواة ممَّن ضُعِّفَ منهم، وليس في «البخاريِّ» من ذلك غير حديثين، وقد تُوبِعا، أحدهما: حديث أُبيِّ بن عبَّاس بن سهل بن سعدٍ عن أبيه عن جدِّه. قال: كان للنبيِّ ﷺ فَرَس يقال له: اللخيف [خ¦٢٨٥٥] قال الدَّارقطنيِّ: هذا ضعيفٌ انتهى. وهو ابن سعدٍ السَّاعديُّ الأنصاريُّ الذي ضعَّفه أحمد وابن معينٍ، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، لكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن عبَّاسٍ، وروى له التِّرمذيُّ وابن ماجه، وثانيهما: في «الجهاد» من «البخاريِّ» في «باب إذا أسلم قومٌ في دار الحرب». حديث إسماعيل بن أبي أويسٍ عن مالكٍ عن زيد بن أسلم عن أبيه: أنَّ عمر استعمل مولًى له يسمَّى هنيًّا على الحِمَى الحديث بطوله [خ¦٣٠٥٩]، قال الدَّارقطنيُّ: إسماعيلُ ضعيفٌ، قال الحافظ ابن حجرٍ: أظنُّ أنَّ الدَّارقطنيَّ إنَّما ذكر هذا الموضع من حديث إسماعيلَ خاصَّةً، وأعرض عن الكثير من حديثه عند البخاريِّ؛ لكون غيره شاركه في تلك الأحاديث وتفرَّد بهذا، فإن كان كذلك فلم ينفرد، بل تابعه عليه معن بن عيسى، فرواه عن مالكٍ كرواية إسماعيل سواءٌ.
خامسها: ما حُكِمَ فيه بالوهم على بعض رواته، فمنه ما يؤثِّر، ومنه ما لا يؤثِّر
سادسها: ما اختُلِف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن، فهذا لا يترتَّب عليه قدحٌ؛ لإمكان الجمع في المختلف من ذلك أو التَّرجيح، كحديث جابرٍ
قوله: (عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرَ) في «التقريب» أنَّه بمهملتين مُصَغَّرًا بهاءٍ ودونها، واسمه عبد الله بن ثعلبة، ويُقال: ثعلبة بن عبد الله.
قوله: (بِأَنْ يُفَسَّرَ المُبْهَمَ)؛ أي: الذي في رواية سليمان وهو قوله: (مَنْ سَمِعَ جَابِرًا)، وقوله: (بِالَّذِيْ فِيْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ) هو عبد الرحمن بن كعب؛ أي: فيكونُ المراد بقوله (مَنْ سَمِعَ جَابِرًا) في رواية سليمان. انتهى عبد الرحمن المذكور.
قوله: (مِنْ شَيْخَيْنِ)؛ أي: وهُما ابن أبي صُعَيْرَ وعبد الرحمن بن كعب.
قوله: (بِحَذْفِ الوَاسِطَةِ) هو أحدُ الشَّيخين المذكورين للزُّهري، وبهذا لا يكونُ اضطرابٌ أصلًا.
قوله: (وَهُمَا فِيْ الزُّهْرِي سَوَاءٌ)؛ أي: في الروايةِ عنه بلا واسطة.
قوله: (وَقَدْ صَرَّحَا)؛ أي: الأوزاعي والليث.
قوله: (ثُمَّ قَالَ)؛ أي: البُخَاري.
قوله: (وَأَرَادَ)؛ أي: البُخاري؛ أي: قَصَدَ بقوله: وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ.
قوله: (وَبَيْنَ جَابِرٍ فِيْهِ)؛ أي: في السَّنَدِ المَذْكُور.
قوله: (وَتَأْكِيْدَ) عَطْفٌ على إثبات.
قوله: (بِذَلِكَ)؛ أي: رواية سليمان.
قوله: (ثَبَّتَنِي فِيْهِ)؛ أي: في هذا الحديث؛ أي: جعلني ثابتًا بموافقتهِ لي في روايتهِ، كذلك بعد أن كُنت بالانفرادِ قلقًا.
قوله: (فَرَجَعَتْ رِوَايَتُهُ)؛ أي: روايةُ سُفيان، قال في «المقدمة الفتحية»: وعن الزُّهْرِي فيهِ اختلافٌ آخرُ، رواهُ البيهقيُّ من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري، عن الزُّهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، وهو خطأ، وعبد الرحمن هذا ضعيف، ولا يخفى على الحاذقِ أنَّ روايةَ الليثِ أرجحُ هذه الروايات كما قررناهُ، وأنَّ البُخَاري لا يعلُّ الحديث بمجردِ الاختلاف. انتهى.
قوله: (إِنْ صَحَّ) بالصاد المهملة، والذي في «المقدمة»: (إن وضحَ) بالواو والضاد المعجمة من الوضوح، ولم يذكرْ الشَّارح مثال ذلك.
وهو كما في المقدمة عن الدَّارَقُطْنِي ما أخرجه الشيخان من حديثِ قَتَادَةَ، عن النَّضْرِ بن أنس، عن بشير بن نَهِيْك، عن أبي هريرة قال: «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيْصًا» وذكرا فيه «الاسْتِسْقَاء» من حديث ابن أبي عروبة وجرير بن حازم، قال: وقد روى هذا الحديث شُعبة وهشام، وهُما أثبتُ الناسِ في قَتَادة، فلم يذكرا في الحديث الاستسقاء من الحديث، فَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَأي قَتَادة، لا مِنْ رواية أبي هريرة. انتهى.
قوله: (مِمَّنْ ضُعِّفَ) بالبناءِ للمجهولِ؛ -أي: ضَعَّفَهُ الحُفَّاظُ- وقوله: (مِنْهُم)؛ أي: من الرواةِ.
قوله: (اللُّخَيْف) بالخاء المعجمة مُصغرًا، قال في «القاموس»: أو هو بالحاء المهملة.
قوله: (وَهُوَ)؛ أي: سهلٌ هذا، راوي الحديث.
قوله: (هُنَيًّا) بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية.
قوله: (عَلَى الحِمَى) بكسر المهملة؛ أي: ما كان حِمَاهُ لرعي إبلِ الصَّدَقَات.
قوله: (فَمِنْهُ مَا يُؤَثِّرُ)؛ أي: وإنَّما يرويه عن مثلِ هذا اعتمادًا على كونِ ما رواهُ معروفًا من رواية الثقات، فلا يكون ذلك قادحًا في صحة الحديث؛ خلافًا لابن حزم حيث روَّج بمثل ذلك مذهبه في إباحة الملاهي؛ زاعمًا أنَّه لم يصحَّ في حديث أبي مالك الأشعري عنه ﷺ: «لَيَكُونَنَّ في أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ»؛ أي: الملاهي، الحديثَ. فزعمَ أنَّ هذا الحديثَ وإن أخرجه البخاري فهو غير صحيحٍ؛ لأنَّهُ قال فيه (هشام بن عمار) وساقه بإسناده فهو منقطعٌ.
قوله: (وَمِنْهُ مَا لَا يُؤَثِّرُ)؛ أي: كأنْ يكونَ ضعفُ الضعيفِ المذكورِ طرأَ بعدَ أخذهِ عنهُ باختلاط حديثٍ عليهِ غيرِ قادحٍ