للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن مما عمّت به البلوى بين المقاولين في هذا العصر أن يتقبّل بعضهم مشروعات، ثم يقبِّلها برمتها لمقاولين من الباطن، وذلك يستوجب إعادة النظر في حكمه، وإعادةَ النظر -كذلك- في حكم أرباح الشركات التي تمارس هذا العمل، حتى أصبحت مجرد وسيط بين رب العمل -وغالبًا ما يكون مؤسسةً من المؤسسات الحكومية- وبين المقاولين من الباطن، الذين يباشرون -في الحقيقة- تنفيذ أعمال المقاولات، وكان من مفسدة هذا أن صار كثير من المشروعات الحكومية التي يُعهد تنفيذُها برمتها إلى مقاولين من الباطن يُلحظ عليها خللٌ في التنفيذ، وقصورٌ في العمل، وافتقاد تلك المشروعات لمعايير الجودة والإتقان حتى مع وجود الإذن الرسمي الصريح.

الجواب: أنه مهما قيل عن قصور أداء المقاولين من الباطن، وتواطؤ المقاولين الأصليين معهم فإن مردّ الخلل لا يمكن قصره على توسع المقاولين في المقاولة من الباطن، من حيث كونهم يقبِّلون أعمال المقاولة كلها، دون أن يكون لهم مباشرة لبعض العمل، حتى نحصر الحل في إعادة النظر في حكم المقاولة من الباطن لجميع أعمال المقاولة.

وإنما السبب الأصلي لهذا القصور والخلل هو ضعف الإدارات الرقابية في المؤسسات الحكومية وتساهلُها في معايير الجودة وقبولها لأعمال تلك الشركات على علاتها ورداءتها، وقد يكون سبب ذلك التساهل قلة المراقبين، أو إغراءات الرشوة التي لا تكاد تصمد لها أمانة بعض المراقبين ووطنيتهم، كما أن ضعف التنفيذ والإخلالَ بالمواصفات ومعايير الجودة المشروطة ملحوظٌ -كذلك- في الأعمال التي يباشرها المقاول الأصلي، فليس الخلل محصورًا في أعمال المقاول من الباطن، حتى نَقْصُر الحل على منع عقود المقاولة من الباطن التي تتقبّل أعمال المشروع كلها، وسيظل الخلل موجودًا ما لم تكن الإدارة الرقابية على المشروعات الحكومية صارمة في رقابتها ومعاييرها، وفي إلزامِها المقاولين بشروط العقود، فما أُبرمت عقود المقاولات من الباطن في مشروعاتها الحكومية إلا بإذن تلك الجهات المسؤولة (١).

ومتى خشيت هذه الجهات من ضعف المشروع أو تأخر إنجازه بسبب العقد من الباطن فلها أن تشترط على المعقود معه مباشرته للعمل، والواقع أن عقود المشاريع الكبيرة تتضمن بنودًا للمقاولة من الباطن.

ولا يختلف الحكم فيما لو تكررت المقاولة من الباطن، بأن يقوم المقاول من الباطن بالتعاقد مع طرف ثالث، والثالث مع رابع، وهلمّ جرّا.


(١) العقد من الباطن ص ٢٨٩ - ٢٩٠.

<<  <   >  >>