للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبدي الآبق فلك دينار. فهذا في ظاهره يقتضي استدعاء العمل من المخاطَب دون غيره، وهذا يتأكد في صيغة الشروط، فإن المطلق منها ما يقع التعرض له على التعيين حتى يمتنع قيام غيره مقامه، ولكن المعاملات تبنى على مقاصد الخلق، لا على صيغ الألفاظ، لاسيما إذا عم العرف في بابٍ فهو المتبع، ومما نعلمه من مقصود الخلق في هذه المعاملة أن من قال لمعيَّن: إن رددت عبدي فلك كذا. فقد لا يستمكن المعين من تعاطي ذلك بنفسه على الانفراد، والغالب أن حاجته تمسّ إلى الاستعانة بغيره، فلا معنى لحمل اللفظ على قصر العمل في المخاطب، ولكن يتعين حمله على تحصيل المقصود والسعي فيه بأي وجه أمكن، حتى لو استعان العامل بمن أراد بأجرة يبذلها أو بأن يتبرع عليه المستعان بالإعانة، فإذا حصل المقصود فلا نظر إلى جهات العمل بناءً على مقصود الباب) (١).

وقال الغَزالي: (لا يتعين على العامل المعين العمل بنفسه، فلو قال لشخص معين: إن رددت عبدي الآبق فلك كذا. لم يتعين عليه بنفسه، بل له الاستعانة بغيره، فإذا حصل العمل استحق الأجرة) (٢).

المناقشة:

١. أن الفقهاء اشترطوا لصحة الجعالة أن يتضمن العمل منفعةً للجاعل (٣)، ومنفعة العمل هنا إنما تعود لرب المال، وهو الجاعل الأصلي، ولا تعود على الجاعل الثاني؛ لأن المال الضائع ليس له، بل هو أجنبي.

الجواب: لا يتصور أن أحدًا من الناس يقدم على عمل ما لا منفعة له فيه أصلًا، والمنفعة في مثل هذا أن يحصل على الجعل الأصلي؛ لأن العامل سيقوم بتسليم المال للجاعل الثاني، وغالبًا سيكون جعله أقل من الجعل الأصلي، فإلم يكن فهذا أولى بالجواز؛ لأن الجاعل الثاني متبرعٌ بالزيادة حينئذٍ ومحسن للجاعل الأصلي، وربما كان بينهم-مما يقتضي ذلك- ما هو أعظم من الجعل كمودة أو قرابة أو نحوهما.

٢. أن تخريجه على جعالة الفضولي غير مسلَّم؛ لأن الفضولي يقصد النيابة عن غيره، وجعالة الجاعل إنشاء عقد من تلقاء نفسه متعلق بمال غيره.

٣. أن هذا الدليل مسلَّمٌ في ما لم يكن مقصودًا بالتعيين كبناء حائط وحياكة ثوب ووجدان ضائع، أما ما كان العامل فيه مقصودًا فهو كاستصناع الصانع ومقاولة المقاول، والقرينة


(١) نهاية المطلب ٨/ ٤٩٨.
(٢) مغني المحتاج ٢/ ٥٥٨.
(٣) التاج والإكليل ٧/ ٦٠٠، الموسوعة الفقهية ١٥/ ٢١٦.

<<  <   >  >>