للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بواسطة، وإلا استحق المسمى بتمام العمل، وحاصله أنه إذا قال المالك: من أتى بعبدي الآبق فله كذا. فجاء به شخص لم يسمع كلام ربه لا مباشرة ولا بواسطة ... فإنه يستحق جعل المثل، سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى، أو أقل منه، أو مساويا له، بشرط كون ذلك الشخص الآتي به من عادته طلب الأُبّاق، فإن لم يكن عادته ذلك فلا جعل له وله النفقة فقط) (١).

الاحتمال الثالث: التفصيل، فإن كان الجعل الأصلي لمعيَّن، فتصح جعالة الجاعل إذا كان المعين معذورًا في ترك العمل، بأن يكون لا يليق بمثله أو يعجز عنه وعلم به الجاعل الأصلي، وإن كان الجعل الأصلي لغير معيَّن فتجوز وتصح جعالة الجاعل مطلقًا.

وجه الاحتمال: أن جعالة الجاعل نوع استنابة وقد قال في "نهاية المحتاج": (العامل المعين لا يستنيب فيها إلا إن عذر وعلم به الجاعل حال الجعالة) (٢)، هذا في المعين، وإذا جاز له أن يستنيب بغير جعل جاز أن يستنيب به، أما إذا كان الجعل الأصلي بغير تعيين فيقاس على تبليغ الجعالة، فإنه إذا قال: قال فلان من رد ضالتي فله كذا، أو قال: من رد ضالة فلان فقد جعل له كذا. فإنه يصح ويلزم الجاعل الأصلي (٣)، فإذا اختلف الجعل الثاني عن الأصلي فإن العامل يستحق الجعل الثاني؛ لأنه الذي سمعه أو بلغه ويرده على الجاعل الثاني، ويستحق الجاعل الثاني الجعل الأصلي برده أو بتسليم العمل المطلوب.

الاحتمال الرابع: التفصيل، فإن كان العمل المتعاقد عليه يراد به استحداث نتيجة جديدة، كتعليم علم وبناء حائط وخياطة مخيط فإن كان لمعيَّن تعيينًا مقصودًا فلا تصح الجعالة على الجعالة على هذا العمل، وإن كان لغير معين أو كان التعيين غير مقصود فتصح، وإن كان العمل المتعاقد عليه مما يراد إيجاده من غير تعيين فاعل، كرد ضائع من مال أو مركوب أو غيره، فتصح الجعالة على الجعالة فيه.

الأدلة:

دليل الاحتمال الأول: أن الجعالة جائزة، وليس في هذه المسألة إلا جعالتان، جعالة من رب المال لمن يرد ماله الضائع-مثلًا-، وجعالة من الجاعل الثاني لمن يقوم بنفس العمل، فإذا قام رجل بنفس العمل وردها للجاعل الثاني استحق الجعالة الثانية، وإذا ردها الجاعل الثاني لرب المال استحق الجعالة الأولى، والعبرة بمراد الجاعل الأصلي-رب المال- لا بألفاظه، فسواءٌ عمم لفظ الجعالة أو خصصه لم يضر، قال الجويني: (فإذا قال القائل لمن يخاطبه: إن رددت


(١) ٤/ ٦٤.
(٢) ٥/ ٣٤٢.
(٣) ينظر نهاية المحتاج ٥/ ٣٤٢، كشاف القناع ٩/ ٤٨١.

<<  <   >  >>