(٢) في "الموطأ" ٢/ ١٣٠ جواز شراء العبد بالأعبد إلى أجل معلوم، وجواز بيعه نقدًا لغير البائع، وهذه صورة التورق، ولفظه: (قال مالك: والأمر عندنا أنه لا بأس بأن يبتاع العبد التاجر الفصيح بالأعبد من الحبشة، أو من جنس من الأجناس، ليسوا مثله في الفصاحة، ولا في التجارة والنفاذ والمعرفة، لا بأس بهذا، أن يشتري منه العبد بالعبدين، أو بالأعبد إلى أجل معلوم، إذا اختلف، فبان اختلافه، فإن أشبه بعض ذلك بعضًا، حتى يتقارب، فلا تأخذن منه اثنين بواحد، إلى أجل، وإن اختلفت أجناسهم. ولا بأس بأن تبيع ما اشتريت من ذلك، قبل أن تستوفيه، إذا انتقدت ثمنه من غير صاحبه الذي اشتريته منه) وكذلك ٢/ ١٨٥ - ١٨٦، أما الكراهة فقد قال ابن تيمية: (والكراهة قول عمر بن عبد العزيز، ومالك فيما أظن) الظن في النسبة لمالك فقط، وقال في موضع آخر: (فكرهه عمر بن عبد العزيز وطائفة من أهل المدينة من المالكية وغيرهم) مجموع الفتاوى ٢٩/ ٣٠، ٣٠٢، وهو قول ابن مزين منهم، في "مواهب الجليل" ٦/ ٢٩٤: (وذكر ابن مزين: لو كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعتئذ فلا خير فيه، ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا، قال: فيلحق هذا الوجه بهذه الصورة على قوله بالمكروه ا. هـ، فيكون على ما ذكره عياض هذا الوجه مختلفا فيه، والمشهور أنه جائز، وقول ابن مزين إنه مكروه، ولم يحك ابن رشد في جوازه خلافا)، وبعض الباحثين نسب للمالكية القول بالمنع وليس كراهة التنزيه أخذًا من نصٍّ في "البيان والتحصيل" ٧/ ٨٥ - ٨٦، ١٠٢، ٢١٢، و"عقد الجواهر الثمينة" ٢/ ٤٥٣، و"الذخيرة" ٥/ ١٨ في رجل عَيّن رجلًا فباعه طعامًا بثمن إلى أجل، على أن ينتقد من ثمنه دينارًا أنه لا خير في ذلك إن كان البائع من أهل العينة، وكذلك رجل باع طعامًا أو زيتًا أو غير ذلك، وهو ممن يعين، فباعه متاعًا بثمن إلى أجل، فباعه الذي اشتراه، ثم جاءه بعد ذلك، فقال: إني قد وضعت فيما بعت وضيعةً كثيرةً، فخفف عني من الثمن الذي بعتني به، فوضع له من ذلك، ومن نصٍّ في مختصر خليل: (وكره خذ بمائة ما بثمانين)، وكل هذه النصوص ليست في محل البحث، فالمعاملة الأولى مشروط فيها أن ينقده شيئًا من الثمن، وفي التورق الثمن مؤجل أو منجم، والمعنى الذي لأجله كرهه مَن كرهه نص عليه في "البيان والتحصيل" ٧/ ٢١٢: (إنما كرهه كأنه قال له: بع من هذا الطعام بدينار فأعطني، وما بقي من الطعام فهو لك بما بقي من الثمن إلى أجل) وفي ٧/ ١٠٢: (وذلك غرر، إذ لا يدري ما يبقى له من الطعام إذا باع منه بدينار) وهذا المعنى غير موجود في التورق، وفي المعاملة الثانية مراوضة على ثمن اتفقا عليه وحيلة على الربا كما في "البيان والتحصيل" ٧/ ٨٥، وهذا قدر زائد على صورة التورق، وهي محل الكراهة عندهم بتصريحهم؛ لذا اختص المنع بأهل التهم والريبة من أهل العينة، بل قال أبو إسحاق التونسي المالكي: (وكأنه إنما عقد معه على أنه ما صح لك فيها ربحتُ عليك فيه الدرهم درهمًا أو نصفًا، فصار أصل المبيع الأول لا يعلم ما ثمنه إلا بعد بيعه، وهذا لمن يشتري ليبيع، ويجوز هذا لمن أراد أن يأكل أو ينتفع). تكملة المجموع للسبكي ١١/ ١٥٩، وهذا المعنى غير موجود في التورق، وأما النص الثالث فهو مبتور، وتمامه: (وكره خذ بمائة ما بثمانين -أو اشتره- ويومئ لتربيحه) فليست الكراهة في بيع شيء بأكثر من ثمنه سواء حالا أو مؤجلا، وإنما في الصورة كلها وهي من صور العينة التي نص عليها ابن رشد، وتتابعوا على نقلها منه، وينظر "مواهب الجليل" ٦/ ٢٩٤، وما في "المدونة" ٤/ ٥٩٣ - التي هي أصل عامة المتون والشروح للمالكية وعنها تفرعت-: (قلت: أرأيتَ من اشترى سلعةً بدينٍ إلى أجلٍ أيجوز له أن يبيع مرابحةً نقدًا؟ قال: قال مالك: لا يصلح له أن يبيعها مرابحة إلا أن يُبيِّن ... قلت: فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به؟ قال: فليس له إلا ذلك يُعجِّل له ولا يؤخر) فهذه مرابحة وليست تورقًا محضًا. وينظر في نسبة المنع للمالكية: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص ٩١٤، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص ٣٣٣ - ٣٣٤.