للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١. أن هذا الحديث يُستدل به على جميع صور العينة: الثنائية والثلاثية والتورق، وجمهور مجيزي التورق لا يوافقون على الباقي، فما كان جوابًا لهم كان جوابًا لمانعي التورق.

الجواب: الذي أخرج العينة الثنائية من هذا الحديث ورود النهي عنها، والذي أخرج العينة الثلاثية أنها حيلة على الثنائية، وليس في التورق نصٌّ ولا معنى يقتضي إلحاقه بالعينة، ففي العينة ترجع السلعة للبائع ويكون أعطى نقودًا ليأخذ أكثر منها مؤجلة، وهذا ربا النسيئة والفضل، فأين هذا في التورق؟

٢. أن الحديث فيه بيع وشراء بثمن حاضر، فكيف يقاس عليه ما هو في الذمة غير مقبوض؟ وفيه بيع بمال حاضر، ومن يبيع بمال حاضر مستغن، أما من يشتري بدين فمحتاج، فكيف يقاس مستغن على محتاج؟ وفي الحديث الأمر بالبيع ثم بالشراء، وفي التورق بالعكس، فكيف يقاس عليه؟

الجواب: أما وجه القياس فقد تقدم، وأما ما ذُكر فكلها أوصاف طردية، لم يعتبرها الشارع، ولا علق عليها حكمًا ما، فأين في الشريعة تحريم البيع بالدين؟ وأين في الشريعة التفريق بين المستغني والمحتاج في البيع والشراء بمثل هذا المنطق؟ وما هو المعنى المؤثر في تقديم البيع على الشراء أو تأخيره؟

٣. أن المقصود في الحديث التخلص من التمر الرديء والحصول على الجيد، وهذا مقصود جائز، والمحذور مبادلة تمر بتمر مع التفاضل؛ لما يخشى من إفضائه إلى تأخير أحد البدلين، وهذا يحصل من تَكرار المبادلة لا من المبادلة بعينها، والمقصود في التورق شغل الذمة بلا مقابل، وهو المقصود المحذور في ربا النسيئة.

الجواب: إذا كان المقصود من التورق هو شغل الذمة بلا مقابل فالمقصود ببيع الجمع وشراء الجنيب مبادلة تمر بتمر، وليس الأمر كذلك، ثم إن المحذور هو عين المبادلة المشتملة على التفاضل، وليس المحذور هو تأخير أحد البدلين فقط، وقياس التورق على ربا النسيئة خطأ؛ لأن النسيئة التأخر بين بدلين وجد فيهما العلة الربوية، وفي التورق السليم البدلان لا يتحدان في العلة الربوية، كمن يشتري سيارة بنقود، فالتأخير هنا من البيع الآجل، ورحم الله ابن قيم الجوزية حين قال: (ولأرباب المقالات أغراضٌ في سوء التعبير عن مقالات خصومهم، وتخيُّرهم لها أقبح الألفاظ، وحسنِ التعبير عن مقالات أصحابهم، وتخيُّرهم لها أحسن الألفاظ، وأتباعُهم محبوسون في قيود تلك العبارات، ليس معهم في الحقيقة سواها، بل ليس مع المتبوعين غيرها، وصاحبُ البصيرة لا تهوله تلك العبارات الهائلة، بل يجرِّد المعنى عنها، ولا يكسوه عبارةً منها، ثم يحمله على محل الدليل السالم عن

<<  <   >  >>