للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل السابع: قياس المتورق على التاجر الذي يشتري سلعةً بالآجل ويبيع بالنقد، وكما يشتري بالجملة ويبيع بالتفرقة، ولا يوجد فارقٌ مؤثرٌ بينهما.

المناقشة: التاجر يقصد الربح والمتورق يقصد الخسارة؛ لأنه يبحث عن النقد، ومن مقاصد الشريعة حفظ المال، ومن إضاعة المال شراء سلعة بثمن مرتفع وبيعها بثمن منخفض (١).

الجواب: عدم التسليم بأن المتورق يقصد الخسارة، بل هو يقصد الربح، ولو وجد السلعة تباع بالثمن الذي اشتراها به أو أكثر نقدًا لباع، فكيف يخالف قصده لو كان يقصد الخسارة؟ ولكن من المتيقن أن أي سلعة لا تباع نقدًا بالثمن الذي تباع به إلى أجل.

أدلة القول الثالث:

الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سَلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (٢)، والعينة لغةً وشرعًا تشمل كل معاملة يراد بها الحصول على النقد الحاضر مقابل مال في الذمة أكثر منه، وقد سمى الفقهاء التورق عينةً.

المناقشة: جمهور العلماء من أهل اللسان والفقه يفرقون بين العينة والتورق صورةً وحكمًا، وإطلاق اسم العينة على التورق من جنس إطلاق الحسد على الغبطة والمتعة على القران ونحو ذلك، بدليل أن الذين استعملوا هذا الإطلاق خصوا التورق بحكم غير حكم العينة.

الدليل الثاني: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المضطر (٣)، والمتورق مضطر للحصول على النقد، وإلا لما لجأ إلى التورق، والنهي يقتضي التحريم، فدل على تحريم التورق، وقال الخطابي: (وفي إسناد الحديث رجل مجهول لا ندري من هو، إلا أن


(١) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص ٣٥٤ - ٣٧٥،٣٥٥ - ٣٧٦.
(٢) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة (٥/ ٣٣٢) (ح ٣٤٦٢)، واللفظ له، وأحمد (٩/ ٥١، ٨/ ٤٤٠) (ح ٥٠٠٧، ٤٨٢٥)، قال أبو نعيم: (غريب من حديث عطاء عن نافع، تفرد به حيوة عن إسحاق) لكنه متابع، وأعله ابن حجر، وصححه ابن القطان وحسنه وجود إسناده ابن تيمية وحسنه ابن القيم وقال ابن عبد الهادي: (رجال إسناده رجال الصحيح)، وله شواهد أقواها حديث نهى عن بيعتين في بيعة. حلية الأولياء ٣/ ٣١٩، بيان الوهم والإيهام ٥/ ٢٩٤ - ٢٩٦، ٧٧٢، مجموع الفتاوى ٢٩/ ٣٠، [إعلام الموقعين ٥/ ٧٨، تهذيب السنن ٥/ ١٠٤: نقل فيهما كلام شيخه ابن تيمية متابعًا له]، الداء والدواء ص ١١٥، المحرر (ح ٨٩٠)، الدراية ٢/ ١٥١، التلخيص الحبير ٤/ ١٧٧٥.
(٣) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع المضطر (٥/ ٢٦٣) (ح ٣٣٨٢)، واللفظ له، وأحمد (٢/ ٢٥٢) (ح ٩٣٧)، قال الخطابي والمنذري: (في إسناده رجل مجهول) وأعله ابن حزم والبيهقي والنووي والذهبي، وقال ابن القطان: (منقطع وإسناده ضعيف). معالم السنن مع مختصر السنن ٥/ ٤٧ - ٤٨، المحلى ٩/ ٢٢، سنن البيهقي ٦/ ١٦ - ١٧، المجموع ١٠/ ٢٤٢، بيان الوهم والإيهام ٢/ ١٥٧، ٣/ ٦٤، ٥/ ٧٧١، ميزان الاعتدال ٢/ ٢٩٦.

<<  <   >  >>