للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل: أن الإذن المتضمَّن في التوكيل ينصرف في هذه الحالة إلى ما جرت به العادة والعرف من الإذن في الاستنابة (١)، والإذن قسمان: إذن لفظي، وهو ما سبق في الفرع الثاني، وإذن عرفي، ومنه هذه المسألة والمسألة اللاحقة، وقد نقل أبو العباس ابن تيمية اتفاق العلماء على جواز توكيل الوكيل (٢)، ومراده مع وجود الإذن العرفي، وذلك أنه أتبع ذلك بذكر الخلاف في المسألة إذا لم يوجد إذن، وليس في السؤال تصريح بالإذن ولا في السياق، فخرج من قوله صورتان:

١ - عدم الإذن. ... ٢ - الإذن اللفظي.

فمراده -والله أعلم- الاتفاق على الجواز في الإذن العرفي، كهاتين المسألتين، ومما يؤيده عدم وقوف الباحث على مخالف صريح في هذه المسألة.

جاء في "المهذب": (فصل. ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل من جهة النطق أو من جهة العرف؛ لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما يقتضيه الإذن والإذن يعرف بالنطق وبالعرف) (٣).

وجاء في "إعلام الموقعين": (وقد أُجري العرف مجرى النطق في أكثر من مائة موضع منها ... وتوكيل الوكيل لما لا يباشره مثله بنفسه ... اعتمادًا على الإذن العرفي الذي هو أقوى من اللفظي في أكثر المواضع) (٤).

المسألة الثانية: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولكنه يعجز عنه بنفسه.

صورة المسألة: إذا وكل موكل وكيلًا بعمل يليق بمثله ولكنه لا يتمكن من القيام به بنفسه؛ لكثرته -مثلًا- فهل يجوز للوكيل أن يوكل غيره؟

الحكم:

إذا كان الوكيل في ما يقوم به مثله يعجز عن مباشرة العمل كله بنفسه فيجوز له أن يوكل غيره، نص على ذلك المالكية (٥) والشافعية (٦) والحنابلة (٧).


(١) المهذب ١٥/ ٢٦٧، المغني ٧/ ٢٠٨.
(٢) مجموع الفتاوى ٣٠/ ٩٨.
(٣) ١٥/ ٢٥٨.
(٤) ٤/ ٣١٦ - ٣١٧، وفي مجموع الفتاوى: (والتنبيه دليل أقوى من النص) ٣١/ ١٧٣،١٤٦، وفيه ما فيه.
(٥) مواهب الجليل ٧/ ١٩١، حاشية الدسوقي ٣/ ٣٨٨.
(٦) المهذب ١٥/ ٢٦٧، نهاية المحتاج ٥/ ٢٨.
(٧) الإنصاف ١٣/ ٤٥٩، شرح منتهى الإرادات ٣/ ٥١٠، وقد عزا بعض المعاصرين هذا القول للحنفية في هذه الصورة، لكن الحنفية لم يذكروا -في المراجع التي ذكرها المعاصر- حكم هذه الصورة، وتنظر المراجع الحنفية التالية.

<<  <   >  >>