للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقع ذلك في عهد أبي العباس ابن تيميّة وسئل عنه (١)، والوقوع دليل الجواز وزيادة.

فيقال: لا بد من التفصيل في ذلك فإن أريد وقف ثمرة الوقف دون أصله فالراجح أنه يجوز ذلك للموقوف عليه بحيث لا ينافي الوقف الأول وشروطه، فإن قلنا إن الملك ينتقل للموقوف عليه فواضح، ويكون ملكًا ناقصًا (٢)، وإن قلنا إن الملك يكون للواقف فلا شك أن ملك الثمرة والغلة على هذا القول لا يبقى للمالك -الواقف-، بل ينتقل للموقوف عليه فيجوز له وقفه، ويكون الباقي في ملك الواقف العين (الأصل، الرقبة)، وإن قلنا: إنه يخرج عن ملك الواقف ولا يدخل في ملك الموقوف. فالمراد أنه يكون حقًا لله -جل جلاله- ووقفه أيضًا يجعله حقًا لله - عز وجل - فلا يتنافى مع ذلك؛ لأن حق الله - سبحانه وتعالى - له متعلَّق، كما أن الزكاة حق لله - سبحانه وتعالى - ويستحقه الأصناف الثمانية، فكذلك الوقف هو حق لله - سبحانه وتعالى - ويستحقه الموقوف عليه فيملك أن يقفه، ومخالفة شرط الواقف بذلك ليس مسلَّمًا؛ لأن العبرة بالمقاصد والحقائق، ومراد الواقف أن تعود فائدة الوقف للموقوف عليه، وهذا ما حصل، وإن أريد وقف أصل الوقف فالراجح أنه لا يوقف؛ للإجماع الذي نقل ابن قاضي الجبل: أنه لا يجوز بيع درهم خالص بدرهم خالص إذا كان من مال اليتيم؛ لعدم ثبوت المصلحة في هذا التصرف وانتفاءِ الرجحان في هذا العقد، وقال: (وكذلك ينبغي أن يكون في مال الوقف إذا لم يكن في ذلك مصلحة مطلوبة) (٣)، وهل وقف الموقوف عليه مصلحة مطلوبة للوقف؟ يظهر أنها مصلحة، ولكنها مرجوحة، فالمشغول لا يشغل، والأسبق أحق، ولا مسوِّغ لتغيير الوقف ما دام قائمًا يمكن الاستفادة منه في ما وقف لأجله، وبهذا يتضح سبب الترجيح.


(١) مجموع الفتاوى ٣١/ ٢٦٢.
(٢) مجموع الفتاوى ٢٩/ ١٧٨ - ١٨٠: (وأصل ذلك أن الملك هو القدرة الشرعية في الرقبة، بمنزلة القدرة الحسية، فيمكن أن تثبت له القدرة على تصرفٍ دون تصرف شرعًا ...) فيتصرف في الثمرة أو المنفعة كالسكنى دون الرقبة.
(٣) المناقلة والاستبدال بالأوقاف والإفصاح بما وقع في ذلك من النزاع والخلاف ص ٤٧ - ٤٨، بواسطة استثمار الوقف، وينظر في التصرف في الوقف: استثمار الوقف ص ٦٣ - ٧٦، ٨٩ - ٩٩، ١٢٨ - ١٣٢.

<<  <   >  >>