للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الدلالة: أن حسَّان - رضي الله عنه - موقوف عليه، وقد باع نصيبه من الوقف، فإذا جاز بيعه جاز وقفه، ويدلّ على أن صدقة بيرحاء كانت وقفًا إنكارُ مَن أنكر عليه بيعه لها، وفهمُ العلماء ذلك، ومنهم البخاري، حيث قال: (باب إذا أوقف أو أوصى لأقاربه، ومَن الأقارب؟ وقال ثابت عن أنس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة: «اجعله لفقراء أقاربك» فجعلها لحسان وأبيّ بن كعب) (١).

المناقشة:

١. أن هذا فعلٌ لم يقرّه عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان بعد وفاته، ولم يوافقه عليه الصحابة (٢).

٢. أن بيع حسان - رضي الله عنه - يدل على أن أبا طلحة - رضي الله عنه - ملَّكهم الحديقة، ولم يجعلها وقفًا عليهم، وهذا يعكِّر على من استدل بشيءٍ من الحديث في مسائل الوقف، إلا شيئًا يتفق فيه الوقف والصدقة، ويحتمل أن أبا طلحة شرط جواز البيع لمن احتاج، وقد أجاز بعض العلماء هذا الشرط (٣).

الدليل الثالث: أن الوقف سبب يزيل مِلك الواقف، وقد وُجد إلى من يصح تمليكه على وجه لم يُخرِج المال عن ماليته، فوجب أن يَنقل الملك إليه كالهبة والبيع، فإذا ملكه من انتقل إليه جاز أن يقفه.

المناقشة: هذا يلزم الحنفي والشافعي، أما المالكي فلا يوافق على المقدمة الأولى المفيدة زوال ملك الواقف.

الدليل الرابع: أن الوقف والحبس راجع للأصل، والثمرة طَلْقٌ، والمِلك فيها تامٌّ، للموقوف عليه التصرف فيها بجميع التصرفات وتورث عنه، فيجوز له أن يقفها، قياسًا على ثمرة الأرض المستأجرة.

الترجيح

أولًا تصوُّر وقوع المسألة مبني على جوازه عقلًا، وهو كذلك، فلا يمنع أن يوجد فقير ليس له مال، ويسمع بما في الوقف من فضل، ثم يوقف عليه، فيسأل: هل له أن يقف هذا الوقف؟ ويقول: إذا جاز لي أن آكله وأن أصرفه على أولادي فلماذا لا أقدمه لحياتي؟ يعني لآخرته.


(١) صحيح البخاري (الجامع الصحيح) ٤/ ٦.
(٢) ينظر مثلا: سنن أبي داود (٤/ ٥٠٣ - ٥٠٥) (ح ٢٨٧٨ - ٢٨٧٩)، ومصنف عبد الرزاق (١٠/ ٣٧٤ - ٣٧٨) (ح ١٩٤١٤ - ١٩٤١٨)، المغني ٨/ ١٩٢، مجموع الفتاوى ٢٨/ ٥٨٨ - ٥٨٩، ٣٠/ ٢٤٦، ٣١/ ٢٦٢.
(٣) ينظر فتح الباري ٦/ ٧١٣.

<<  <   >  >>