للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل الحرب هل يملكون أموال المسلمين أو لا يملكونها، والموقوف عليه هل يملك الوقف أو لا يملكه؟ إنما نشأ فيها النزاع بسبب ظن كون الملك جنسًا واحدًا تتماثل أنواعه، وليس الأمر كذلك، بل الملك هو القدرة الشرعية، والشارع قد يأذن للإنسان في تصرف دون تصرف، ويملكه ذلك التصرف دون هذا، فيكون مالكًا ملكًا خاصًا، ليس هو مثل ملك الوارث، ولا ملك الوارث كملك المشتري من كل وجه، بل قد يفترقان، وكذلك ملك النهب والغنائم ونحوهما قد خالف ملك المبتاع والوارث) (١)؛ لذا قال في "تقرير القواعد": (إن العبد يثبت له ملك قاصر بحسب حاجته إليه، وإذا لم يثبت له الملك المطلق التام ... كما أثبتنا له في الأمة ملكًا قاصرًا يبيح التسري بها دون بيعها وهبتها على ما سنذكره، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين) (٢) أي ابن تيميّة.

وأدلة الجمهور عديدة منها قوله - سبحانه وتعالى -: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} النحل: (٧٥)، وفي آية ٧١ نوعُ دلالةٍ كذلك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فماله للذي باعه»، وحصول الإجماع من الأمّة على أن لسيد العبد أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ومن غير كسبه (٣)، ولأن سيده يملك عينه ومنافعه، فما حصل بذلك يجب أن يكون لسيده كبهيمته (٤).

وقد استدل بعض الحنفية بحديث لا أصل له: (لا يملك العبد ولا المكاتب شيئًا إلا الطلاق) (٥).

وأما إذا ملَّكه سيده فجمهور أهل العلم على أنه لا يملك أيضًا للأدلة السابقة، وذهب مالك في قولٍ والشافعي في القديم (٦) وابن قدامة وابن شاقلا وابن عقيل من الحنابلة (٧) إلى أنه يملك؛ لأن المانع من الملك هو حق سيده وقد أذن، ولأدلة قياسية كثيرة مع ما سبق من أدلة الظاهرية.

وعليه فليس للعبد القن أن يعتق عند الجمهور مطلقًا، وله أن يعتق عند الظاهرية مطلقًا،


(١) مجموع الفتاوى ٣١/ ٢٤٣.
(٢) ٣/ ٣٣٦.
(٣) الاستذكار ١٦/ ١٥٠.
(٤) المغني ٦/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٥) بدائع الصنائع ٢/ ٣٧٣، وذكره كثير من المصنفين من الحنفية، قال في "نصب الراية" (٤/ ١٦٥) (ح ٦٩٥٠): (غريب).
(٦) الموطأ ١/ ٣٨٤، ٢/ ٣٣٨، ونسبه لهما في "المغني" ٦/ ٢٦٠، وجاء في "الفواكه الدواني" ٢/ ١٦٥ عن حديث (من باع عبدًا وله مال): (إسناد المال للعبد يقتضي أنه يملك، وهو كذلك) إلخ.
(٧) المغني ٦/ ٢٦٠، ١١/ ١٠٦، تقرير القواعد ٣/ ٣٣٢.

<<  <   >  >>