للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأحدهما أن يرهن هذا الجوال حقيقةً عند طرف ثالثٍ دائنٍ لأحدهما، بأن يجعل الجوال في يد الطرف الثالث رهنًا؟ وتصوّر ذلك فيما إذا كان الراهن للطرف الثالث هو سعد ظاهرٌ؛ لأن الأصل أن يكون الرهن في يده، وقد يكون في يد أمينٍ يرتضيانه، أما كون الراهن الثاني هو زيد فهذا متصور على قول من لا يشترط القبض للزوم الرهن.

الصورة الثانية: الرهن الرسمي (التأميني-السائل-الساذج-الذمة السائلة).

أصل الرهن قد يكون مباشرًا وقد يكون سائلًا، وكذلك رهن المرهون، والمراد بالثاني ما يوجد في أنظمة كثير من البلاد الإسلامية، وهو رهن لا يقبض فيه المرتهن المرهون، ويبقى في يد الراهن، ولكن يحق للمرتهن المطالبة باستيفاء الدين منه عند حلوله، ويكون توثيق الدين بقبضه على وثائق الملكية للعين المرهونة، فالراهن وإن كان قادرًا على الانتفاع بالمرهون إلا أنه لا يملك نقل ملكيتها لطرف ثالث حتى يفتك الرهن السائل بتسديد الدين (١)، وهذا قد يقع لبعض الجهات الاعتبارية -أكثر من غيرها- فهل لها أن ترهن هذه العين الباقية في يدها بتكرار تسليم المستندات في كل عملية رهن، إذا لم يُحكم النظام المنع من ذلك؟

يرجع حكم الرهن السائل لمسألة اشتراط القبض للزوم الرهن، فجمهور العلماء من الحنفية (٢) والشافعية (٣) والحنابلة (٤) وابن حزم (٥) على اشتراطه، ونُقِل الإجماع عليه (٦)، وذهب المالكية إلى عدم اشتراطه (٧)، وذهب بعض الحنابلة للتفصيل فالمرهون المكيل أو الموزون لا يلزم إلا بالقبض وغيرهما على روايتين كالقولين السابقين (٨).

وقد ذهب بعض المعاصرين لجوازه، وذكر توجيه ذلك بأمور منها: أن قبض المستندات يقوم مقام قبض الرهن، وأن مقصود الرهن توثيق الدين، وهو حاصلٌ بهذا الرهن مع تحقيق مصلحة الراهن أيضًا، وأن القبض الحقيقي يتعذر في التجارة الدَّوْلِيّة في حالاتٍ كثيرةٍ (٩).


(١) بحوث في قضايا فقهية معاصرة لمحمد تقي العثماني ص ١٨ - ٢١، المعايير الشرعية، معيار الضمانات ص ٥٩.
(٢) تحفة الفقهاء ٣/ ٥٠.
(٣) الوجيز ١/ ٣٣٠.
(٤) كشاف القناع ٨/ ١٦٨.
(٥) المحلى ٨/ ٨٨.
(٦) الإجماع لابن المنذر ص ١٣٨.
(٧) الذخيرة ٨/ ١٢٤،١٠٠، وفي "المدونة" ما يفهم منه موافقة الجمهور ٦/ ٣٠٣،٣٠٢،٢٩٨،٢٩٧.
(٨) المغني ٦/ ٤٤٦.
(٩) الفقه الإسلامي وأدلته ٦/ ٤٢٣٧ - ٤٢٣٨، بحوث في قضايا فقهية معاصرة لمحمد تقي العثماني ص ١٨ - ٢١، وقد مثَّل العثماني للرهن الرسمي برهن السيارة، والأنظمة على أنه لا يرد إلا على عقار. المدخل لدراسة الأنظمة ص ١٩٤، ولكنه تمثيل للتوضيح، وقد يصح في أنظمة دول أخرى. كما أن القبض قد يتعذر أيضًا في بعض المعاملات المعاصرة.

<<  <   >  >>