للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١. أن مضار التأمين التجاري أعظم من مصالحه، والعبرة بالغالب (١)، ومن هذه المضار إفساد ذمم الناس بافتعال الحوادث أو التساهل في أخذ الحيطة أو غير ذلك، وتسلط فئة من أثرياء التأمين على عامة الناس وفقرائهم، واستنزاف ثروات البلاد وإرسالها للخارج بإعادة التأمين، وبالاستثمار في بلاد الكفار بدلًا من إقامة الصناعات والمشاريع النافعة (٢).

ووجود المصالح ليس كافيًا في التحليل، فالخمر فيها منافع، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} البقرة: (٢١٩).

٢. أن هذا الأمان لا حقيقة له من وجوه عديدة، منها:

أن شركة التأمين التجاري تلتزم عند التعاقد بتعويض المؤمن له إذا وقع الخطر من مجموع اشتراكات المشتركين، وهو ما يعتبر غطاءً للعقد، لكنها تستخدم الغطاء ذاته لكل مستأمن (مؤمن له) مع كونه قد لا يفي بذلك، وهو مشغول بالعقد مع المتعاقد الأول، فهو بمثابة رهن المرهون، فعقد الرهن الثاني لم يصادف عند إبرامه محلًا قابلًا، ولا يفيد الراهن غلبة ظنه بوفاء الدين دون حاجة للرهن في تسويغِ رهنٍ لمرهونٍ واحدٍ لأكثر من دائن، فكذلك لا يفيد شركة التأمين غلبة ظنها بعدم الحاجة للتعويض لأغلب المشتركين (٣).

٣. أنه يمكن تحقيق هذه المصالح بالتأمين التعاوني المشروع دون التعرض للمفاسد اللازمة للتأمين التجاري.

الدليل الثالث: قياس التأمين التجاري على التأمين التعاوني، فهما يتفقان في الإجراءات ومراحل التنفيذ، وكل المشتركين في التأمين يقصدون الربح، ولا أحد يشترك في التأمين التعاوني بقصد التعاون على البر واحتساب الأجر، ولا فرق بينهما في الحقيقة (٤)، والتبرع في


(١) مفتاح دار السعادة ٢/ ٣٥٥، ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٢) حقيقة شركات التأمين، الربا والمعاملات المصرفية ص ٤١٤ - ٤١٥.
(٣) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص ٢٧٦.
(٤) يقول د. مصطفى الزرقا: (وقد بينت في كتبي وبحوثي في المجمع الفقهي أن التمييز بين تأمين تجاري وتأمين تعاوني خرافة، وأن هذا التمييز الوهمي هو نتيجة عدم الإدراك لحقيقة التأمين وواقعها).فتاوى التأمين ص ٤٩، التأمين بين الحلال والحرام ص ١٩، وفي مقابل ذلك قال د. علي القره داغي في كتابه "التأمين الإسلامي" ص ٢٢٤ - ٢٢٥: (وقد قرأت بدقة كُتبَ أو بحوثَ معظم الذين حاولوا هدم الجدار الفاصل بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني الإسلامي، فوصلت إلى أن حكمهم بعدم التفرقة بينهما يعود إلى عدم اطلاعهم على الجانب العملي للشركة التي تدير التأمين التعاوني والشركة التي أنشئت لأجل الاسترباح بأنشطة التأمين، فلم تكن هناك رؤية واضحة في تنظيم العلاقات بين الشركة والمشتركين وحساب التأمين ونحو ذلك، والله أعلم) وقال د. سامي السويلم في "قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي" ص ٢٦١: (فبالرغم من كثرة ما كتب عن التأمين إلا أن الفرق بين التأمين التجاري والتعاوني قد التبس على كثيرين إلى درجة التسوية بينهما ونفي الفارق المؤثر).

<<  <   >  >>