للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبيع بعضكم على بيع بعض» (١).

وجه الدلالة: أن الإجارة نوعٌ من البيع عند جمهور العلماء خلافًا لابن حزم (٢)، فلا يجوز لمن أجر عينًا أن يؤجرها لغيره؛ لأن المعنى الذي من أجله نهي عن البيع على بيع أخيه في الأعيان موجود في البيع على بيع أخيه في المنافع.

الدليل الثالث: أن المشغول لا يشغل (٣)، وهذه العين مشغولة بالعقد الأول مع المستأجر الأول فلا يجوز شغلها في نفس المدة بما ينافي ما هي مشغولة به، ومن ذلك إعادة إجارتها.

الدليل الرابع: أن المستأجر الثاني لا يقصد العين ولا منفعتها؛ لأنها تحت يد غيره إن كانت مقبوضة، فلم يبق إلا قصد الأجرة، وهي دين في ذمة المستأجر الأول، وهذا من ربا النسيئة، ومع تفاوت الأجرتين يكون ربا فضل ونسيئة.

المناقشة: أن هذا من بيع الدين على غير من هو عليه، وليس من الربا، وأيضًا هو لن يأخذ ممن دفع له حتى يكون من الربا، بل هو بالحوالة أشبه.

الجواب: بيع ما في ذمة غيره بيعٌ لما لا يملك، والربح فيه ربحٌ لما لم يضمن.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أنه تصرف من المؤجر في ما استحقه على المستأجر، وهو الأجرة، قال أبو العباس ابن تيمية: (وغلط بعض الفقهاء فأفتى في نحو ذلك بفساد الإجارة الثانية ظنًا منه أن هذا كبيع المبيع، وأنه تصرفٌ في ما لا يملك، وليس كذلك بل هو تصرف في ما استحقه على المستأجر) (٤).

الدليل الثاني: قياسه على جواز تصرفه في العين بالبيع، بجامع التصرف الناقل للملك في كلٍّ من البيع والإجارة.

المناقشة:

أولًا: أن الأصل محل خلاف، فمحمد بن الحسن يمنع صحة البيع للعين المؤجرة في


(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه (٣/ ٦٩) (ح ٢١٣٩)، ومسلم، كتاب البيوع (٥/ ٣) (ح ٣٨١١) المتفق عليه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بالرفع، وورد الجزم في رواية لمسلم وفي بعض نسخ البخاري.
(٢) فتح القدير ٧/ ١٤٦، مختصر المزني ص ١٢٦، المهذب مع المجموع ١٦/ ٢٤٦، المغني ٨/ ٧، المحلى ٨/ ١٨٣.
(٣) الأشباه والنظائر للسيوطي ١/ ٣٣٤.
(٤) الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية ص ٢٢١.

<<  <   >  >>