ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ... ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما أعتاد رأسي غير صنعته ... والشيب في الرأس غير الشيب في الهمم
ظنت شيبته تبقى وما علمت ... أن الشبيبة مرقاة إلى الهرم
وصل الخيال ووصل الخود عن بخلت ... سيان ما أشبه الوجدان بالعدم
والطيف أفضل وصل إن لذته ... تخلو من الإثم والتنغيص والندم
لا تحمد الدهر في ضراء يصرفها ... فلو أردت دوام البؤس لم يدم
فالدهر كالطيف بؤساه وأنعمه ... من غير قصد فلا تحمد ولا تلم
لا تحسبن كرم الآباء مكرمة ... لمن يقصر عن غايات مجدهم
حسن الرجال بحسناهم وفخرهم ... بطولهم في المعالي لا بطولهم
ما اغتابني حاسد إلا شرفت به ... فحاسدي وغن وقعت من غير قصدهم
وله أيضاً يرثي أبناً له مات صغيراً، ويشكو زمانه وحاسديه، ويفتخر بفضله وفضل قومه، وهي من أجود المراثي:
حكم المنية في البرية جاري ... ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً ... حتى يرى خبراً من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيالك سار
فأقضوا مآربكم عجالاً إنما ... أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وحاذروا أن تسترد فإنهن عوار
فالدهر يخدع بالمنى ويغص أن ... هنا ويهدم ما بنى ببوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالماً ... خلق الزمان عداوة الأحرار
إني وترت بصارم ذي رونق ... أعدته لطلابة الأوتار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ... منقادة بأزمة الأقدار
اثني عليه بأثره ولو انه ... لم يعتبط أثنيت بالآثار
يا كوكباً ما كان أقصر عمره ... وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر ... بدراً ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه ... فمحاه قبل مظنة الإبدار
واستل من أترابه ولداته ... كالمقلة استلت من الأشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه ... في طيه سر من الأسرار
أن يعتبط ضغراً فرب مضخم ... يبدو ضئيل الشخص للنظار
أن الكواكب في علو محلها ... لترى صغاراً وهي غير صغار
ولد المعزى بعضه فإذا مضى ... بعض الفتى فالكل بالآثار
أبكيه ثم أقول معتذراً له ... وفقت حين تركت ألأم دار
جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري
أشكو بعادك لي وأنت بموضع ... لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة ... من بعد تلك الخمسة الأشبار
هيهات قد علقتك أسباب الردى ... واغتال عمرك قاطع الأعمار
ولقد جريت كما جريت لغاية ... فبلغتها وأبوك في المضمار
فإذا نطقت فأنت أول منطقي ... وإذا سكت فأنت في إضماري
أخفي من البرحاء ناراً مثلما ... يخفي من النار الزناد الواري
وأخفض الزافرات وهي صواعد ... وأكفكف العبرات وهي جواري
وشهاب نار الحزن أن طاوعته ... أورى وان عاصيته متواري
وأكف نيران الأسى ولربما ... غلب التصبر فارتمت بشرار
ثوب الرياء يشف عما تحته ... فإذا التحفت به فإنك عار
قصرت جفوني أم تباعد بينها ... أم صورت عيني بلا أشفار؟
جفت الكرى حتى كأن غراره ... عند اغتماض العين وخز غرار
ولو استزارت رقدة لطحابها ... ما بين أجفاني من التيار
أحيي الليالي التم وهي تميتني ... ويميتهن تبلج الأسحار
حتى رأيت الصبح تهتك كفه ... بالضوء رفرف خيمة كالقار
والصبح قد غمر النجوم كأنه ... سيل طغى فطفا على النوار
لو كنت تمنع خاض دونك فتية ... منا بحار عوامل وشفار
ودحوا فويق الأرض أرضا من دم ... ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
قوم إذا لبسوا الدروع حسبتها ... سحبا مزررة على أقمار