سبقت صداه باهتمامي بكل ما ... أراد ولم أحوجه أن يتمهلا
وأوسعته لما آتاني بشاشة ... ولطفاً وترحيباً وخلقاً ومنزلا
بسطت له وجهاً حيياً ومنطقاً ... وفياً ومعروفاً هنياً معجلا
وراح يراني منعماً متفضلا ... ورحت أراه المنعم التفضلا
[وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن محمد الأيوبي سنة ٦٤٦]
عرف الحبيب مكانه فتدللا ... وقنعت منه بموعد فتعللا
وأتى الرسول فلم أجد في وجهه ... بشراً كما قد كنت أعهد أولا
فقطعت يومي كله متفكراً ... وسهرت ليلي متململا
وأخذت أحسب كل شيء لم يكن ... متحركاً في فكرتي متخيلا
فلعل طيف زار منه فرده ... سهري فعاد بغيظه متقولا
وعسى نسيم بت أكتم سرنا ... عنه فراح يقول عني قد سلا
ولقد خشيت بأن يكون أماله ... غيري وطبع الغصن أن يتميلا
وأظنه طلب الجديد وطالما ... عتق القميص على امرئ فتبدلا
أبداً يرى بعدي وأطلب قربه ... ولو أني جارٌ له لتحولا
وعلقته كالغصن أسمر أهيفا ... وعشقته كالظبي أحور أكحلا
فضح الغزالة والغزال فتلك في ... وسط السماء وذاك وسط الفلا
عجباً لقلبٍ ماخلا من لوعة ... أبداً يحن إلى زمان قد خلا
ورسوم جسمٍ كاد يحرقه الجوى ... لو لم تداركه الدموع لأشعلا
وهوى حفظت حديثه وكتمته ... فوجدت دمعي قد رواه مسلسلا
أهوى التذلل في الغرام وإنما ... يأبى صلاح الدين أن أتذللا
مهدت بالغزل الرقيق لمدحه ... وأردت قبل الفرض أن أتنفلا
ملك شمخت على الملوك بقربه ... ولبست ثوب العز منه مسربلا
ورفعت صوتي قائلا يا يوسف ... فأجابني ملك أطال وأجزلا
ثم ألتفتُ وجدت حولي أنعما ... ما كان أسرعها إلي وأعجلا
وهصرت أغصان المطالب ميساً ... ومريت أخلاف المواهب حفلا
قهر الزمان وقد عراني صرفه ... حتى مشى في خدمتي مترجلا
وإذا نظرت وجدت بعض هباته ... فيها المآثر والمفاخر والعلى
يروي حديث الجود عنه مسنداً ... فعلام ترويه السحائب مرسلا
من معشر فاقوا الملوك سيادة ... وسعادة وتطولا وتفضلا
وكأن متن الأرض يوم ركوبهم ... يكسونه برداً عليه مهلهلا
من كل أغلب في الهياج كأنما ... لبس الغدير وهز منه جدولا
وإذا سألت سألت غيثاً مسبلا ... وإذا لقيت لقيت ليثاً مشبلا
مولاي قد أهديتها لك كاعباً ... عذراء تبدي عذرة وتنصلا
حملت ثناء كالهضاب فأبطأت ... فاعذر بطيئاً قد أتى لك مثقلا
عرفت محبتها لديك وحسنها ... فأتت تريك تدللاً وتعللا
بدوية إن شئت أو حضرية ... جمع الخزامى نشرها والمندلا
لو أنها ممن تقدم عصره ... منعت زياداً أن يقول وجرولا
غزل ومدح بت أغرق فيهما ... كالخمر مازجت الزلال السلسلا
فتألقت عقداً يروق نظامه ... والعقد أحسن ما يكون مفصلا
يا أيها الملك الذي دانت له ... كل الملوك تودداً وتوسلا
فعلاهم متطولاً وحباهم ... متفضلاً وأتاهم متمهلا
يا من مديحي فيه صدق كله ... فكأنما أتلو كتاباً منزلا
يا من ولائي فيه نص بين ... والنص عند القوم لن يتأولا
ولقد حلا عيشي لديك ولم أرد ... عيشاً سواه فإن أردت فلا حلا
وشكرت جودك كل شكر عالماً ... أن لا أقوم ببعض ولا ولا
[وقال يمدح الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب وأنشدها بقاعة دمشق سنة ٦١٣]
يطيب لقلبي أن يطول غرامه ... وأيسر ما يلقاه منه حمامه
وأعجب منه كيف يقنع بالمنى ... ويرضيه من طيف الخيال لمامه
تعشقته حلو الشمائل أهيفا ... يحرك شجو العاشقين قوامه
وهمت بطرف فاتن منه فاتر ... لبابل منه سحره ومدامه
فما الغصن إلا ما حوته بروده ... وما البدر إلا ما حواه لثامه
أغار إذا ما راح ريان عاطرا ... أراك الحمى من ريقه وبشامه
وأرتاح للبرق الذي من دياره ... ويحسب طرفي أن ذاك ابتسامه