قد قصر الدهر في إشكاي من حسد ... من قبل والآن لا يقوى على عذر
وكنت أشكو الليالي سوء محنتها ... والآن أوسع شكراً محنة القدر
وهاكها من بنات الزنج ألفها ... نجل لشاهين لا يأوي إلى وكر
تدعى بأنثى ولكن في النظام لها ... صرامة لم تكن في الصارم الذكر
تطوى الصحاف لها صوناً وإن نثرت ... تفوح سوم أريج المسك في الصور
تروق كالروضة الغناء ترفل في ... ريط الثناء كزهو الخود في الحبر
تلفعت ببرود الحمد تحسبها ... بكراً توشح موشياً من الأرز
ساقت إليك جيوشاً من بلاغتها ... لوا المحامد فيها معلم الطرر
أوشكت أقنص نسر الأفق مرتقياً ... لما خيالك أغراني على الفكر
إن رمت مدحك يا ابن بجدتها ... ورونقاً بفحول العرب من مضر
لي في قبولك تأميل يبشرني ... أني سأظفر بالمقبول من عذر
وإنني لأرى نفسي تحرضني ... أني سأشفعها من قصدي الآخر
وأسلم ببرج جمال أنت رونقه ... ترضي المعالي في الآصال والبكر
ممتعاً بلذيذ العيش تمنحه ... وظافراً بهني المال والعمر
[شعر الغري]
وممن ترجم له صاحب ((السلافة)) أيضاً أبو الطيب بدر الدين بن رضي الدين الغري العامري الشامي قال في حقه: شاعر فصيح مجاله في الأدب فسيح يسحر بيانه العقول، ويبهر الألباب بما يقول، إن نظم فالدر الثمين كاسد، وزهر النجوم حوا سد، سار شعره مسير الشعر بين، وجلى عن قلوب ذوي الألباب كل رين، ولم يزل معدوداً من أرباب الصدور، مسفرة محاسن فضله إسفار البدور حتى أفسدت السوداء عقله، وواجبت من مناصب العقلاء عزله، فأصبح في عقال الجنون إلى أن فاجأه رائد الممنون عفا الله عنه، وهذا حين أثبت من شعره ما تستحليه وتقلد به جيد الدهر وتحكيه، فمن ذلك قوله مادحاً أبا السرور البكري:
ألا طرقتنا قبل منبلج الفجر ... معطرة الأَردان طيبة النشر
وحيت فأحيت من حشاشة مدنف ... وما خلتها تقضي على الموت والنشر
وجادت بما ضن الزمان بمثله ... وفاءً بلا مطل ووصلاً بلا هجر
وجاءت كما شاء المنى في مطار ف ... من الحسن أدناها أرق من السحر
ولاحت من العذر العلى في دياجر ... فأشرق بدر التم في غسق الفجر
وماست قضيباً فوق دعص فأتلعت ... من الغيد ريماً لامن الشدن العفر
فبادرتها والقلب جم سروره ... وقل أن يوفي حين وافته بالنذر
وجاذبتها أطراف عتب كأنه ... نسيم الصبا غب الملث من القطر
ومازجتها ضماً فرحنا كأننا ... (خليطان من ماء الغمامة والخمر)
ونازعتها ذيل العفاف ولم أخل ... خليطين مثلينا استقالا من الوزر
إلى أن نضاكف الصباح حسامه ... وأسفر داجي الأًفق عن فلق الفجر
فقامت تهادي تنفض البرد تنثني ... مرنحة الأعطاف ناحلة الخصر
وهمت بتوديعي فسالت مدامعي ... وسار فؤادي خلفها حيث لا تدري
فيا ليلة ما كان أَزهر متها ... لقد أذكرتني موهناً ليلة القدر
ويا زورة ما أنس لا أنس أنسها ... عدى عودة أم أنت لي بيضة العقر
والله ما شببت إلا علالة ... وفي غمرة من غير بحر الهوى فكري
وفي همتي والله يعلم شاغل ... عن الغادة العذراء ترفل في الحبر
أأرتع في روض الحسان وأنثني ... عن الذروة الشماء يعلو بها قدري
أحدث نفسي بالمعالي وأَبتغي ... رفيقاً رفيقا بي معيناً على أمري
وما الناس إلا الشوك عند اختبارهم ... على أنهم في منظر العين كالزهر
سأضرب وجه الأرض أبغي مطالبي ... فريداً ولا أعبا بزيد ولا عمر
أبى الله لي إلا سيادة أصيد ... مجد إلى قنص العلى بالقنا السمر
ولا مجد عن إرث وإن طبت محتداً ... فأنمى إلى حبر يلقب بالبدر
وما الفخر إلا في مقارعة العدى ... وما المجد إلا بالسباء والأسر
فإن أنت صافت الأسود وخضتها ... بطعن فقل ما شئت في عالم البدر
ولم تغتمض عيناي ليلة لم أبت ... أقلب في قلب الهزبر على جمر
وكم لي من صيدات عز وسؤدد ... ومن دونها وقع المهندة البتر