عجبت للجن وتحساسها ... وسدها العيس بأحلامها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلي الصفوة من هاشم ... وانظر بعينيك إلى رأسها
قال: فرحلت ناقتي، وأتيت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله فأنشأت أقول:
أتاني نجي بين هدو ورقدت ... ولم أك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليل قوله كل ليلة ... أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت عن ذيلي الإزار ووسطت ... بي الذعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن الله لا رب غيره ... وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... من الله يابن الآمنين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى ... إن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلاَ عن سواد بن قارب
قال ففرح رسول الله (ص) وأصحابه فرحاً شديداً، فقام إليه عمر رضي الله عنه، فالتزمه، وقبل بين عينيه، وقال: كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك، فهل يأتيك ريبك اليوم؟ قال: أما منذ قرأت القرآن فلا، انتهى.
[شعر]
[علوي بن اسماعيل البحراني]
وممن ذكر صاحب (السلافة) السيد علوي بن اسماعيل البحراني قال في حقه: فاضل النسب والأدب معرق، وكامل تهدل في فروع مجده وأعرق، وهو اليوم شاعر هجر، ومنطيقها الذي واصله المنطق الفصل وما هاجر، يفسح للبيان مجالا، ويوضح منه غرراً وأحجالا، ويشتار من جناه عسلا ويهز من قناه أسلا، ومعظم شعره فائق مستجاد، فمنه قوله في الغزل وقد أجاد:
بنفسي أفدي وقل الفدا ... غزالا بوادي النقا أغيدا
مليحا إذا نض عن وجهه ... نقاب الحيا خلت بدراً بدا
غزالا ولكن إذا ما نصبت ... شراكا لأصطاده استأسدا
سقيم اللواحظ مكحولها ... ولم يعرف الميل والأثمدا
رشيق القوام إذا هزه ... رأيت الغصون له سجدا
له ريقة طعمها السكري ... يجلي الصداء ويروي الصدى
ولحظ كعضب ولكنه ... يشق القلوب وما جردا
نأى بعد فهو لغيري ولي ... قريب المزار بعيد المدى
تفرد بالحسن دون الملا ... فسبحان مولى له أفردا
رعى الله أيامنا الماضيات ... وعيشاً ألفنا بها أرغدا
وصب على ترب تلك الربوع ... مثعنجراً مبرقاً مرعدا
فكم قد أقمنا بها لم نخف ... عدوا ولم نرقب حسدا
إلى حيث أخنت صروف الزمان ... وشمل الوصال بها بددا
وأضحت قفار وليس بهن مقيم من الجمع إلا الصدى
إذا قلت أين حبيبي غدا ... يجيب بأين حبيبي غدا
وقوله أيضاً:
أشيم البرق وهو علي شوم ... ويثنيني له الشغف القديم
وأصبر للهوى العذري ما إن ... شدا القمري أو هب النسيم
رعاك الله يا قمري نجد ... تنوح فلا تنام ولا تنيم
أرقت ولا كما أرق النسيم ... قلقت ولا كما قلق السقيم
وكابدت الأسى والحزن إذ لا ... أخ يدري بذاك ولا حميم
زعمت بأن وجدك فوق وجدي ... وذاك لأنني صب كتوم
أعرض إن بكيت بذكر حزوى ... ولا حزوى عنيت ولا الغميم
ولولا المنجدون لما شجتني ... طلول بالغوير ولا رسوم
ألا يا منجدون ولم تعودوا ... لقد أبطأتم فمتى القدوم
ومن رقيق قوله في النسيب:
أتت تحمل الابريق شمس الضحى وهناً ... ولو سمحت بالريق كان لها أهنى
حكاها قضيب الخيزران لأنه ... يشاركها في الاسم والوصف والمعنى
ترينا الضحى والليل ساج وما الضحى ... وتلعتها من نور طلعته أسنى
مهفهفة الأعطاف خود وخلتها ... من الحور إلا أن مقلتها وسنى
لها كفل كالدعص ملء إزارها ... وقد إذا ماست به تخجل الغصنا
عليها برود الأرجوان كأنها ... شقائق أو من وجنتيها بدت تجنى
ولا عيب فيها غير أن مليكها ... براها بخلق يعقب الحسن بالحسنى
تقوم تعاطينا سلافة ثغرها ... على عجل نلنا به المن والأَمنا
هي الروح والريحان والراح والمنى ... علي بها معطي المواهب قد منا
قصرت عليها محض ودي فلم يكن ... سواها له في القلب ربع ولا مغنى
شعر