للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيئان في الأسفار يكتنافانها ... كسب الخطير وصحة الأجسام

لا أم لي أن لم أيمم مسلكا ... يهدي الحياة إلي فيه حمامي

فالعذب يأجن طعمه ما لم يكن ... ينساب بين أباطح وآكام

والعضب يدركه الصدى ما لم يبل ... في كل معركة بضرب الهام

خيمت من خرق بأرض مضيعة ... والرأي خلفي والهوى قدامي

حتى رأيت العجز أودى بي كما ... أودى الغرام بعروة بن حزام

أكل الخمول بها بنات خواطري ... أكل الوصي ذخائر الأيتام

يا دهر دعوة من يؤمل أن يرى ... بعلاك منتصفا من الأيام

فأثيل مجدك نلته عن آدم ... وسم قدرك حزته عن سام

تم الاختيار من شعر أبي محمد بن سارة وأخباره ةيليه الاختيار من شعر أبي جعفر الأعمى الطليطلي.

[شعر أبيب جعفر الأعمى]

قال صحب قلائد العقيان: له ذهن يكشف الغامض الذي يخفى، ويعرف رسم المشكل وان كان قد عفى، أبصر الخفيات بفهمه، وقصر فكها على خاطره ووهمه، فجاء بالنادر الذي أعجزأ وعطل التطويل بالمقتطب الموجز، ونظم أخبار المم المتفرقة في لبة القريض، وأسمعها أطرب من نغم معبد والغريض، وكان بالأندلس سر الإحسان، ومزرياً على زياد وحسان، إلا انه لم تطل أيامه، فأصبحت نواظر الأدب بعده رمدة، ونفوسها كمدة، وقد أأثبت له ما يبهر سامعه ويثني إليه الإحسان مسامعه، فمن ذلك قوله:

مللت حمص وملتني ولو نطقت ... كما نطقت تلاحينا على قدر

وسولت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى منه في الغدر

أما اشتفت مني الأيام في وطني ... حتى تضايق فيما عز من وطري

ولا قضت من سواد العين حاجتها ... حتى تكر على ما كان في الشعر

وله في الغزل:

هو الهوى وقديماً كنت أحذره ... السقم مورده والموت مصدره

يا لوعة وجلا من نظرة أمل ... الآن أعرف رشداً كنت أنكره

جد من الشوق كان الهزل أوله ... اقل شيء إذا فكرت أكثره

ولي حبيب دنا لولا تمنعه ... وقد أقول نأى لولا تذكره

وقتل فتى من فتيان اشبيلية غيلة، ولم يعلم قاتله، وكان جواداً معروفاً بالكرم ومكارم الأخلاق مع كونه عيناً من أعيان البلد، وكان محسناً إلى أبي جعفر المذكور، جميل الرأي فيه، كثير النفقد له، فجزع عليه جزعاً شديداً، وقال يرثيه بهذه القصيدة، وهي من مختار المراثي:

خذا حدثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان

وعن دول حسن الديار وأهلها ... فنين وصرف الدهر ليس بفان

وعن هرمي مصر الغداة أمتعا ... بشرخ شباب أم هما هرمان

وعن نخلتي حلوان كيف تناءتا ... ولم توطيا كشحاً على شنآن

وطال ثواء الفرقدين بغبطة ... أما علما أن سوف يفترقان

وزايل بين الشعر بين تصرف ... من الدهر لا وان ولا متوان

فان تذهب الشعرى العبور لشأنها ... فإن الغميصا في بقية شان

وجن سهيل بالثريا جنونه ... ولكن سلاه كيف يلتقيان

وهيهات من جور أزمان وعدله ... شآمية ألوت بدين يماني

فأجمع منها آخر الدهر سلوة ... على طمع خلاه للدبران

وأعلن صرف الدهر لابني نويرة ... بيوم ثناء غال كل تدان

"وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر" لو لم تنصرم لأوان

وهان دم بين الدكادك واللى ... وما كان في أمثالها بمهان

فضاعت دموع بات يبعثها الأسى ... يهيجه قبر بكل مكان

ومال على عبس وذبيان ميلة ... فأودى بمجني عليه وجان

فعوجا على جفر الهباءة واعجبا ... لضيعة اعلاق هناك ثمان

دماء جرت منها التلاع بملئها ... ولا ذخل إلا أن جرى فرسان

ويام حرب لا ينادى وليدها ... أهاب بها في الحي يوم رهان

فآب ربيع والكلاب تهره ... ولا مثل مود من وراء عمان

وأنحى على ابني وائل فتهاصرا ... غصون الدرى من كرة ولدان

تعاطى كليب فاستمر بطعنة ... أقامت لها الأبطال سوق طعان

وبات عدي بالذنائب يصطلي ... بنار وغى ليست بذات دخان

فذلت رقاب من رجال أعزة ... اليهم تناهى عز كل زمان

وهبوا يلاقون الصوارم والقنا ... بكل جبين واضح ولبان

<<  <   >  >>