آراؤكم لسقيم المجد عافية ... لكنهن لإيجاد الثنى علل
كأنما خلطت بالطيب طينتكم ... فنبتها ليس إلا الورد والنفل
مولاي ذا الصوم أبقى أجره ومضى ... لديك والفطر والإقبال مقتبل
واسعد بعودة عيد عاد فيه لنا ... منك السرور وزال الهم والوجل
عيد تشرف يا ابن الطاهرين بكم ... لذا به ملة الإسلام تحتفل
فاق الزمان كما فقت الملوك كما ... كلاكما سيد في قومه جلل
واستجل طلعة فطر فوق غرته ... هلال سعد سناه منك منتحل
شيخاً تأتاك كالعرجون منحنياً ... وأنت كاالرمح رطب العود معتدل
رآك بعد النوى ليلاً فعاد له ... عمر الشبيبة غضاً وهو مكتهل
لازلت بدر سعود لا أفول له ... يبدو له نهاراً وليلاً وهو مكتمل
ولا برحت مطاع الأمر مقتدراً ... يجري الزمان بما تقضي ويمتثل
تم الاختيار من شعر أبن معتوق وأخباره، ويليه الاختيار من شعر ابن الرومي
[شعر]
ابن الرومي ليس هذا موضع الاختيار من شعره وينبغي أن يكون من أهل زمانه كأبي تمام والبحتري ولكن لم أظفر بديوانه حينئذِ فأحببت ذكره هنا لئلا يخلو المجموع من شعري لأنه في غاية الجودة والله الموفق للصواب لا إله غيره ولا رب سواه هو علي ابن عباس ابن جريج أو جورجيس مولى عبد الله بن عيسى بن جعفر وكنيته أبو الحسن ويعرف بابن الرومي نسبةً إلى أصله وكانت ولادته في بغداد سنة ٢٢١ ومات بها سنة ٢٣٨ قال ناقل ترجمته: وقد أظلته ثمان خلافات وهي خلافة المعتصم والواثق والمتوكل والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد وكان شعره غير مرتب رواه المتنبي عنه ثم جمعه أبو بكر الصولي ورتبه على الحروف وله في شعره دقة واسترسال يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية وكان شبيهاً بقول الشاعر:
وفضلني في القول والشعر أنني ... أقول على علم وأعلم ما أعني
ونثره يشبه شعره في المعاني والجودة فمن ذلك قولهيتنصل إلى بعض من يعز إليه وترفع عن ظلمي إن كنت بريئاً وتفضل بالعفو إن كنت مسيئاً والله إني لأطلب العفو من ذنبِ لم أُجنه وألتمس الإقالة مما لا أعرفه لتزداد تطولاً وأزداد تذللاً وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واشِ يكيده وأحرسها بوفائك من باغِ يحاول إفسادها وأسأل الله تعالى أن يجعل حظي منك بقدر ودي لك ومحلي من رجائك بحيث أستحق والسلام
ومن قوله في العفو. كتبها إلى بعض من يعز عليه وقد بلغه أنه نال من عرضه ثم أنه ندم وكتب إليه يعتذر من ذلك فأجابه بقوله:
أتاني مقال من أخٍ فاغتفرته ... وإن كان فيما دونه وجه معتب
وذكرت نفسي منه عند امتعاضها ... محاسن تعفو الذنب عن كل مذنب
ومثلي رأى الحسنى بعين جليةِ ... وأغضى عن العوراءِ غير مؤنب
فيا هارب من سخطنا متنصلاً ... هربت إلى أنجى مفر ومهرب
فعذرك مبسوط لدنيا مقدمِ ... وودك مقبولُ بأهل ومرحب
ولو بلغتني عنك أذني أمتها ... لدي مقام الكاشح المتكذب
ولست بتقليب اللسان مصارماً ... خليلي إذا ما القلب لم يتقلب
ومن قوله وهي من غرر قصائده
أجنت لك الوجد أغصانُ وكثبان ... فيهن نوعان تفاح ورمان
وفوق ذينك أعناب مهدلة ... سود لهن من الظلماء ألوان
وتحت هاتيك عناب تلوح به ... أطرافهن قلوب القوم قنوان
غصون بان عميها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل البان
ونرجس بات ساري الطل يضربه ... وأقحوان منير نور ريان
ألفن من كل شيء طيب الحسن ... فهن فاكهةُ شتى وريحان
ثمار صدق إذا عاينت ظاهرها ... لكنها حين تبلو الطعم خطبان
بل مرة حلوة طوراًً يقال لها ... شهد وطوراً يقول الناس ذيفان
يا ليت شعري وليت غير مجديةِ ... إلا استراحة قلب وهو أسوان
لأي أمر مراد بالفتى جمعت ... تلك الفنون فضمتهن أفنان
تجاورت في غصون لسن شجرِ ... لكن غصون لها وصل وهجران
تلك الغصون اللواتي في أكمتها ... نعمى وبؤسى وأفراح وأحزان