وخضحضت دون الحي احشاء ليلة ... يخفرني فيها وميض غمام
فقضيتها ما بين رشفة لوعة ... وأنه شكوى واعتناق غرام
وأحسن ما التفت عليه دجنة ... عناق حبيب عن عناق حسام
فليت نسيم الريح رقرق أدمعي ... خلال ديار باللوى وخيام
وعاج على أجراع وادبذي الغضى ... فصافح عني فرع كل بشام
مسحت له عن ناظري صبابة ... وأقلل بدمعي من قضاء ذمام
فيا عرف ريح عاج عن بطن لعلع ... يجر على الأنداء فضل زمام
بما بيننا بالحقف من رمل عالج ... وفي ملتقى الأرطى بسفح شمام
تلذذ بدار القصف عني ساعة ... وأبلغ نداماها أعم سلام
وقل لغمام ألحف الأرض ذيله ... فلف فجاجاً تحته باكام
أمالك من ظل يبرد مضجعي ... أماتلك من طل يبل أوامي؟
واي ندى أو برد ظل لمزنة ... على عقب أتراب رزئن كرام؟
وقفت وقوف الشك بين قبورهم ... أعظمها من أعظم ورجام
وأندب أشجى رنة من حمامة ... وأبكي وأقضي من ذمام رمام
قضوا بين واد للسماح ومشرع ... وغارب عز في العلى وسنام
ومنتصب كالرمح هزة عزة ... وفتكة بأس واستواء قوام
ومنصلت كالسيف نصرة صاحب ... وضحكة بشر واعتزاز مقام
ومنقل مستقبل كعبة العلى ... يصلي بأهليها صلاة زؤام
تهل له من عفة في طلاقة ... كأن ببرديه هلال صيام
وما ضره أن يستسر لعاتم ... إذا ما بدا في آخر بتمام
تم الاختيار من شعر ابن خفاجة الأندلسي ويليه الاختيار من شعر بديع الزمان الهمذاني
[شعر]
بديع الزمان الهمذاني قال طابع ديوانه محمد شكري المكي: هو الأستاذ فخر همذان بديع الزمان ابو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المتوفي سنة ٣٩٨ وقد أربى على ٤٠ سنة وله ديوان شعر هو (ديوان الأدب) يحق أن تفخر به العجم على العرب، يزري بعقود الجمان، وقلائد العقيان، فمنه قوله في أبي بكر الخوارزمي:
برق الربيع لنا برونق مائه ... فانظر لروعة أرضه وسمائه
فالترب بين ممسك ومعنبر ... من نوره بل مائه وروائه
والماء بين مصندل ومكفر ... من حسن كدرته ولون صفائه
والطير مثل المحسنات صوادحا ... مثل المغني شادياً بغنائه
والورد ليس بممسك رياه بل ... يهدي لنا نفحاته من مائه
زمن الربيع جلبت أزكى متجر ... وجلوت للرائين خير جلائه
فكأنه هذا الرئيس إذا بدا ... في خلقه وصفائه ةعطائه
يعشو إليه المجتدي والمجتني ... والمجتوي هو هارب بذمائه
ما البحر في تزخاره والغيث في ... أمطاره والجود في أنوائه
بأجل منه مواهباً ورغائباً لازال هذا المجد حول فنائه
والسادة الباقون سادة عصره ... متمدحين بمدحه وثنائه
قال يمدح صاحب الجيش ابا علي.
علي أن لا أريح العيس والقتبا ... والبس البيد والظلماء واليلبا
وأترك الخود معسولا مقبلها ... وأهجر الكأس تغذو شربها طربا
حبي الفلا مجلسا والبوم مطربة ... والسير يسكرني من مسه تعبا
وطفلة كقضيب البان منعطفاً ... إذا مشت وهلال الشهر منتقبا
تظل تنثر من أجفانها درراً ... دوني وتنظم من أسنانها حببا
قالت وقد علقت ذيلي تودعني ... والوجد يخنقها بالدمع منسكبا
لا در در المعالي لا يزال لها ... برق يشوقك لا هواناً ولا كثبا
يا مشرعا للندى عذباً موارده ... بيناه مبتسم الأرجاء إذا نضبا
أطلعت لي قمراً سعداً مطالعه ... حتى إذا قلت يجلو ظلمتي غربا
كنت الشبيبة أبهى ما دجت درجت ... وكنت كالورد أزكى ما أتى ذهبا
أستودع الله عيناً تنتحي دفعاً ... حتى تؤوب وقلباً يرتمي لهبا
وظاعناً أخذت منه النوى وطراً ... من قبل أن اخذت منه المنى أرباً
فقلت ردي قناع الصبر إن لنا ... إليك أوبة مشتاقاً ومنقلبا
أبى المقام بدار الزل لي كرم ... وهمة تصل التوخيذ والخبب
وعزمة لا تزال الدهر ضاربة ... دون الأمير وفوق المشتري طنابا
يا سيد الأمراء أفخر فما ملك ... إلا تمناك مولى واشتهاك أبا