أخزى الذي رفع السماء مجاشعاً ... وبنى بناء بالحضيض الأسفل
بيتاً يحمحم قينكم بفنائه ... دنساً مقاعده خبيث المدخل
قال: فوجمت، فلما رأت ذلك في وجهي قالت: لا بأس عليك إن الناس يقال فيهم ويقولون، ثم ساقت معه حديث اليمامة، وقصة ابن عمها كعب بن عمرو بن محرق بن النعمان بن المنذر بن ماء السماء.
[مدح الكرم وذم البخل]
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الكريم لا يلين على قسر، ولا يقسو على يسر، وقال رضي الله عنه: من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم. وقال: من لا يقبل الجود لم يكن ممن يجود. وقال: من انتجعك مؤملاً فقد أسلفك حسن الظن، ومن قوله: أحب الناس إليك من كثرت عندك أياديه، وإن لم يكن، فمن كثرت عنده أياديك. ومن قوله: الرغبة إلى الكريم تحركه على البذل، وإلى الخسيس تغره المنع. وقال جعفر بن محمد: إن الحاجة لتعرض للرجل عندي فأبادر بها خوفاً أن يستغني عنها أو تأتيه، وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع. وكانت أمّ البنين تقول: أف للبخل والله لو كان ثوباً ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته. وقال المأمون: لأن أخطئ باذلاً أحب إلي من أن أصيب مانعاً. وقال محد بن السماك: أهنأ المعروف ما لا مطل في أوله ولا من في آخره. ومدح نصيب الشاعر عبد الله بن جعفر، فجزل عطيته فقيل له: أتصنع هذا بهذا العبد الأسود؟ فقال: إن كان اسود، فإن ثناه أبيض يقق، وشكره عربي ذو رونق، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل هي إلا رواحل تنضى، وثياب تبلى، ومال يفنى، واستعضنا عنه مديحاً يروى، وثناء يبقى.
كتب رجل من البخلاء إلى رجل من الأسخياء يأمره بالإبقاء على نفسه، ويخوفه الفقر، فرد عليه (الشيطان يعدكم ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) وإني أكره أمراً قد وقع لأمر لعله يقع، وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: من أكرم الناس فقال: أما في الدنيا فلأسخياء وأما في الآخرة فالأَتقياء. وسئل شعيب ما الجود؟ فقال: أن لا تضن بمالك على من هو للعطية أهل.
ومن أمثالهم ((البخيل يهدم مباني الكرم)) وذم رجل رجلاً، فقال: ما تبل إحدى يديه الأخرى.
وقال آخر في بخيل: يملأ بطنه وجاره جائع، ويحفظ ماله وعرضه ضائع.
وقال معاوية رضي الله عنه لعمرو بن العاص رضي الله عنه: ما السخاء يا أبا عبد الله عند العرب؟ قال: جهد المقل. ينظر فيه إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (جهد المقل أكثر من عفو المكثر) وكان يقال: ما عزة أثبتت أركانها، ولا ألزم بنيانا من بث المكارم واكتساب المحامد.
ومن مختار قول الحكماء في الكرماء واللؤماء قولهم: الكرام في اللئام كالغرة في وجه الفرس. ومن مختار القول الثعالبي في ذلك: الكريم إذا سئل ارتاح، واللئيم إذا سئل ارتاع.
ومما يباهي بحسنه قول أبي الحسن مهيار:
تعطي حياء مطرقاً مثلما ... وقد وهبت مسنياً ومجزلا
ويسفر الناس على بخلهم ... لأنهم لا يعرفون الخجلا
وقول أبي عبادة البحتري:
يعطي عطاء المحسن الخضل الندى ... عفواً ويعتذر اعتذار المذنب
وله أيضاً:
دع المطي مناخات بأرحلها ... لم ينض عنهن تصدير ولا حقب
فما تزيد على إلمامه خلس ... بأحمد بن علي ثم تنقلب
وقال أبو نصر عبد العزيز:
قد جدت لي باللهى حتى ضجرت بها ... وكدت من ضجري أثني على البخل
لم يبق جودك لي شيئاً أؤمله ... تركني أصحب الدنيا بلا أمل
وقال البحتري:
إني هجرتك إذ هجرتك وحشة ... لا العود يذهبها ولا الابداد
أحشمتني بندى يديك فسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء
وقطعتنمي بالجود حتى إنني ... متخوف أن لا يكون لقاء
صلة غدت بالناس وهي قطيعة ... عجباً وبر راح وهو جفاء
وقد أطنت الشعراء، وملأوا الدفاتر بمدح الكرم، وذم البخل، فلا حاجة إلى الإطالة لاشتهار ذلك في أشعارهم، ولكن يعجبني قول البحتري في المعنى:
له ضجكة عند النوال كأنها ... تباشير بق بعد من العهد
كأن نعم في فيهِ حين يقولها ... مجاجة مسك خيض في ذائب الشهد
وقول الشاشب:
ما قال مذ حلت تمائمهُ ... بخلا ًبها فوجدنا الجود في البخل
وقول أبي محمد الخازن في مدح الصاحب بن عباد: