وكتب لي أيضا
وزائرة والبدر يتبعها وهنا ... ونور سناها من سنى نوره أسنى
رداح لها في الحسن أعظم آية ... تراها إذا ما أقبلت تخجل الغصنا
لها تصميم القلب خافي مودة ... وسر وداد أظهر الاسم أو كتى
حليف غرام في هواها مولع ... بها دائم الأسقام من هجرها مضنى
يذكرها عهد المحبة والهوى ... فتعرض عما قال مصغية ظنا
وإن لاح برق من نواحي ديارها ... أحل بقلب المستهام بها حزنا
فيا ليت شعري كم يقاسي صدودها ... فتى لم يجد صبرا ويوشك أن يفنى
فو الله رب العرش حلفة صادق ... لقد ضقت ذرعا من زماني وما سنا
زمان إذا ما رحت فيه مطالبا ... لنيل سرور زادني وهنه وهنا
أسائله تجيد عهد بقربها ... وهيهات منه أيمن وما منا
وما كل من يعطى النوال ينيله ... ولا كل من أغناه خالقه أغنى
نعم في بلاد الله طرداً ممجد ... إذا قال قولا صدق الخبر المعنى
علي أخي البر الذي ما قصدته ... لدى شدة إلا وصادفته وكنا
فتى قط مالا قيت منه حزونة ... على أنني صاحبته السهل والحزنا
فلا زال محروس اجناب مؤيداً ... برب الورى طراً وأسماءه الحسنى
فكتبت إليه بهذين البيتين:
أياما جداً قد أحكم اللفظ والمعنى ... ومعه من الإبداع ما لم يكن معنا
إليك فقد صيرت سحبان مفحما ... وأخجلت بالإفضال يا سيدي معنا
وممن نقل عنه صاحب ((السلافة)) محمد بن عبد الطبري من أهل القرن الحادي عشر, قال في حقه: هو أحد أولئك الجلة, وواحد تلك البدور والأهلة, الضارب في كل فن بسهم, والفارغ صفاة كل قريحة وفهم, ضاع نشر أدبه وما ضاع, ورضع ثدي الفضل فشب على حب ذلك الرضاع, وله قريض يزري بقراضة الذهب, ثبت في صفحات الصحائف حسنه وما ذهب, وقفت على كافية هي في الشهادة بفضلة كافية, وقافية راحت الباب أولي الأدب لاثرها قافية وهي:
أسير العيون العج ليس له فك ... لأن سيوف اللحظ من شأنها الفتك
حذار خلي القلب من علق الهوى ... فأوله سقم وآخره سفك
ورح سالماً قبل الغرام ولا تقس ... علي فإني هالك فيه لا شك
ألم ترني ودعت يوم فراقهم ... حشاي لعلمي أن ما دونه الهلك
وكيف خلاصي من يدي شادن إذا ... بدا ابيضّ في الديجور من نوره الحلك
يقولون ترك الحب أسلم للفتى ... نعم صدقوا لو كان يمكنه الترك
دعوني وذكرى بين بانات لعلع ... غريبا فهم عند المواقف لي نسك
وإن رمتم إرشاد قلبي فكرروا ... أحاديث عشق طاب في نظمها السبك
أما والخدود العند ميات لم أخل ... وكل الذي عني روى عاذلي إفك
وما بمصون الثغر من ماء كوثر ... وكأس عقيق ختمه حاله المسك
لقد لذ لي خلع العذار وطاب في ... هوى الخرد البيض الدمى عندي الهتك
[شعر العمري]
وممن نقل عنه صاحب ((السلافة)) الشيخ عبد الرحمن العمري من أهل القرن الحادي عشر, قال في حقه: هو علامة القطر الحجازي ومفتيه, ومولي معروف المعارف ومواتيه, وبحر العلم الذي لا يدرك ساحله وبره، الذي لا تطوى مواحله, أشرقت في سماء الفضائل ذكاء ذكائه, وأخرس به ناطق الجهل بعد تصديه ومكائه حتى طار صيته في الآفاق وانعقد على فضله الوفاق، وانتهت إليه رياسة العلم في البلد الأمين، فتصدر وهو منجع الوافدين والآمين منه تقتبس أنواع الفنون، وعنه تؤخذ أحكام المفروض والمسنون، وتشد الرحال إلى لقائه، وتصانيفه في أقسام العلم صنوف، وتآليفه في مسامع الدهر أقراط وشنوف، إن نثر فما أزهار الرياض غب المزن الهاطل, وإن نظم فما جواهر العقود تحلت به الغيد العواطل.
وأطال في ترجمته, وأستقصى سيرته, وأثبت شيئاً من نثره ونظمه, وأطال في ذلك، فأحببت الاختصار, لأن كتاب السلافة كثير الوجود, فمن أراد الوقوف على ذلك فاليراجعه, فمن شعره ما مدح به السيد ثقبة مهنئاً لهى عافية ابنه قتادة, ومتشكراً من أنعام أنعمه عليه:
أقبل أرضاً حفها الله بالسعد ... وألثم ترباً عرفها فائق الند
وأهدي سلاماً عبّق الكون نشره ... وفاق شذا النسرين والآس والورد
صحيب ثناء فصلت در عقده ... وفضله الرائي على الجواهر الفرد