إني لألمح سراً غير مكتتم ... والسر بعد التقاضي كيف ينكتم
هذا الإمام أمير المؤمنين مشت ... من حوله السمر الهندية الخذم
لولا الاناة ولولا الحلم لانعقدت ... سحابة النقع وانهالت دماً ديم
عبد العزيز وقاك الله فتنتهم ... ولا يزل لك فينا البند والعلم
صدقت عهدك والأيام شاهدة ... والعهد عندك وعهد الله والذمم
عش للعروبة والإسلام معتصماً ... فإنما بك بعد الله يعتصم
وقد جرت قصيدة عصرية، ألقاها شاعر من أهل الشام، يقال له حليم دموس في مهرجان المتنبي، يذكر فيها جودة الشعر المتنبي وانه يبعث على الحماسة ومكارم الأخلاق، وذلك في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف وهي
طلعت على الضحى فحيتك حورها ... وخضت قوافيها فدانت بحورها
فتحت فتوحات تراءت حدودها ... وألهبت أرواحاً تظلى سعيرها
وأضرمتها في عالم الشعر ثورة ... على ربوات الخلد دق نفيرها
خلت حلب الشهباء من سيف الدولة ... ودولتك العصماء باق سريرها
فملك ولا تاج وفتح ولا دم ... ورايات نصر للنشور نشورها
هي الحكمة الغراء جاءتك تزدهي ... وليس سوى تلك القوافي خدورها
سلام على ام اللغات فوحيها ... أغان على الأسماع يحلو مرورها
هي العروة الوثقى هي المنية التي ... يهز قلوب المخلصين بشيرها
تركنا ربى لبنان والشام قصدنا ... وفي النفس من أشواقها نا يثيرها
حملنا إليها الشعر والشوق والهوى ... وذكرى ليال ليس ينسى سرورها
وفي ميسلون كان للركب وقفة ... على تربة من هالة العين سورها
إذا رفعوا لإسم البطولة قبة ... مشينا إليها خاشعين نزورها
وهبت لنا من جانب الشام نفحة ... كأن ربى الفردوس فاح عبيرها
حللنا مغانيها وفي كل دارة ... لنا ذكريات ما سلاها سميرها
إذا صافح الأردن دجلة رفرفت ... على بردى من جو مصر طيورها
مواكب أقطاب البلاد تزاحمت ... فطابت لياليها ولاحت بدورها
إلى المجمع العلمي خفت وفودها ... وبالمعرض السوري حفت صقورها
وحيّت صلاح الدين حول ضريحه ... ففاضت مآقيها وجاشت صدورها
إلى الخلفاء الراشدين ... وقد بسمت للخالدين ثغورها
مفاخر سفيان ومجد أمية ... وآثار مروان حوتها قصورها
غدة حيرة النعمان حيرى كأنما ... خورنقها هذا وهذا سيرها
دقائق نقش في فنون صناعة ... فأولها يسبي النهى وأخيرها
يمر عليها الدهر وهي جديدة ... وتبقى بقاء الزهر زهراء دورها
وأكبر رمز من رموز حياتها ... مصانع عمران يعج هديرها
فحدث عن صلب الحديد ترابها ... وحدث عن لطف النسيم حريرها
إذا ذكروا للجاهلية منبراً ... أطل فتى ذبيان وهو مشيرها
وناجى عكاظ الشعر ربع أمية ... فأخطلها يشدو ويشدو جريرها
وإن خطبوا غر المعالي رنت إلى ... أبي الطيب الجبار تيها مهورها
وهللت الفصحى لآيات محمد ... وسار إلى رب البيان سفيرها
إلى شاغل الدنيا ومالئ سمعها ... إلى الطائر المحكي تعنو نسورها
تغلغل في قلب الحياة ولبها ... ولم تلهه أعراضها وقشورها
إذا امتشق الأسياف صل صليلها ... أو امتشق الأقلام صر صريرها
صريع العلى والخيل والليل لفتة ... إلى أمم في الشرق صرعى أمورها
ويا شاعر الإعجاز صيحة ثائر ... عسى من وراء الغيب ما يستثيرها
ويا طالما استصرختها فتنبهت ... إلى زأرات لا ينام هصورها
فعلمتها معنى الحياة وإنها ... إذا لم تذدعن حوضها أنداك طورها
وعلمت أن الظلم في الناس شيمة ... وأن كؤوس المجد حلو مريرها
وعلمت أن الشر بالشر يتقى ... إذا الفتنة العمياء عمت شرورها
وعلمت أن المال في الأرض قوة ... وأن المنى لا يلتقيها فقيرها
وأن صغار الطير يسهل قنصها ... وأن أسود الغاب يخشى زئيرها
وحدثت عن ذل الضعيف بأمة ... تخاذل أهلها وعاث غدورها
وعلمتها صبر الكريم وحلمه ... إذا ما الرياح الهوج سح طيرها