وقد وافقت على أبيات رائقة في مداح مطالعة في كتب العلم والأدب، فأحببت إثباتها هنا. فمنها قول بعضهم وهي من املح ما أنشد في هذا المعنى.
إذا ما خلوت من المؤنسين ... جعلت المؤانس لي دفتيري.
فلما أخل من الشعر محسن ... ومن عالم صالح منذر.
ومن حكم بين أثائها ... فؤاد للناظر المفكر.
وإن ضاق صدري بأسراره ... وأودعته السر لم يظهر.
وإن صرح الشعر باسم الحبيب ... لم أحتشمهُ ولم أحصر.
وإن عدت من ضجر بالهجا ... وسب الخليفة لم أحذر.
ونادمت غيه كريم المغيب ... لندمانه طيب المحضر.
فلست أرى مؤنساً ما حييت ... عليه نديماً إلى المحشر.
[أبيات رائقة.]
ولبعضهم في المعنى:
وإذا ما خلا الناس في دورهم ... بخمر سلاف وخود كعاب.
وآنسهم في ظلام الليالي ... لغير الندامى وروه السحاب.
خلوت وصحبي كتبت العلوم ... وبيت العروس ببيت الكتاب.
ودرس العلوم شراب العقول ... فدوروا علي بذاك الشراب.
وما يجمع المرء في دهره ... سوى العلم يجمعه للتراب.
ولعلي بن الجهم في المعنى:
سمير إذا جالسته كان مسلياً ... فؤادك فما فيه من ألم الوجد.
يفيدك علماً أو يزيدك حكمة ... وغير حسود أو مصر على حقد.
ويحفظ ما استودعته غير غافل ... ولا خائن عهد على قدم عهد.
زمان ربيع في الزمان بأسره ... يبيحك روضاً غير ذاو ولا جعد.
ينور أحياناً بورد بدائع ... أخص وأولي بالنفوس من الورد.
ولبعضهم أيضاً في المعنى ذكرها ياقوت الحموي في رسالته:
إذا الليل ما بيتني بجيش ... طليعته اغتنام واغتراب.
شننت عليه من جهتي كميناً ... أميره الزبالة والكتاب.
وبت أنص من شيم الليالي ... عجائب من حقائقها ارتياب.
بها أجلوا همومي مستريحاً ... إذا جلى همومهم الشراب.
ولبعضهم في المعنى وأحسن:
لنا جلساء لا نملُّ حديثهم ... ألباءُ محمودون غيب ومشهد.
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... ورأياً وآدباً وعقلاً مسددا.
فلا فتنة نخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا.
فإن قلت: أموات فما أنت كاذب ... وإن قلت: أحياء فلست منفدا.
ولقد أحسن شاعر نجد وأديبها في هذا العصر، وهو محمد ابن عبد الله عثيمين حفظه الله بقوله في المعنى: وهي من جملة قصيدة أذكرها إن شاء الله في هذا الجلد في اختيار من شعره:
جعلت سميري حين عز مسامري ... دفاتر أملتها القرون السوالف.
فطوراً أناجي كل حبر موفق ... إذا ما دعا لبت نداه المعارف.
وطوراً كأني مع زهير وجرول ... وطوراً تناجيني ملوك غطارف.
قال الطرطوشي في (سراج الملوك) : وإن كان الناطقون قد وصفوا فجودوا وقالوا فابلغوا، فقلد قصروا، كيف لا والكتاب نعم الجليس في ساعة الوحدة، ونعم المعرفة في بلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير والنزيل، وعاء مليء علماً، وظرف حشا ظرفاً، وحبذا بستان يحمل في ردن وروضة تتقلب في حجرة، هل سمعت بشجر تؤتي أكلها كل ساعة بألوان مختلفة وطعوم متباينة؟ وهل سمعت بشجرة لا تذوى وزهر لا يتوى، وثمر لا يفنى؟ ومن جليس يفيدك الشيء وخلافه، والجنس ضده، ينطق عن الموتى، ويترجم عن الأحياء وأكتم من الأرض، وأنم من الريح وألهى من الهوى، وأخدع من المنى، وأمتع من الضحى، وأنطق من سبحان وائل، وأعيا من باقل، يزيدك ولا يستزيدك، إن جد فيسر، وإن مزح فنزهه، قيد العلوم، وينبوع الحكمة، وسلوى الكرام ومؤنس لا ينام، يفيدك علم الأولين، ويخبرك عن الكثير من أنباء الآخرين، لا يرزاك شيئاً من دنياك، نعم العون والعدة، جليس لا يضرك، ورفيق لا يملك، يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر، إن أدمت النظر إليه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك وفخم ألفاظك، إن ألفته خلد على الأيام ذكراك، وأن درسته رفع في الخلق قدرك، وإن حملته نوع عندهم باسمك، يقعد العبيد مقاعد السادة، ويجلس السوقة مجالس الملوك، فأكرم به من صاحب وأعزز بع من مرافق.
وأنشد أبن حزم لبعض الأدباء: