للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شعر]

ابن يوسف الشامي وممن ترجم له صاحب (السلافة) الشيخ العلامة محمد بن علي بن محمود بن يوسف الشامي قال في حقه: هو الهمام البعيد الهمة، المجلوة بأنواع علومه ظلم الجهل المدلهمة، اللابس في مطارف الكمال أظرف حلة، والحال من منازل الجلال في أشرف حلة، وأطال الثنا عليه بما ليس فوقه مزيد، إلى أن قال: وأما الأدب فعليه مداره، وإليه مراده وإصداره، ينشر منه ما هو أذكى من النشر في خلال النواسم بل أحلى من الظلم يترقرق في ثنايا المباسم، وما الدر إلا ما انتظم من جواهر كلامه، ولا السحر إلا ما نفثت به سواحر أقلامه، وأقسم إني لم أسمع بعد شعرِ مهيار والرضي، أحسن من شعره المشرقي المضي إن ذكرت الرقة فهو سوق رقيقها، أو الجزالة، فهو سفح عقيقها أو الانسجام فهو غيثه الصيب، أو السهولة فهو نهجها الذي تنكبه أبو الطيب، وسأثبت منه ما يقوم بينه هذه الدعوى، وتهوي إليه أفئدة أولي الألباب وتهوى، وإن صدف عن هذا المذهب ذاهب فللناس فيما يعشقون مذاهب، وها أنا أعتذر إليه من الإيجاز في الثنا عليه فما سطرته لمحة مما أقفو:

ويا عجباً مني أحاول وصفه ... وقد فنيت فيه القراطيس والصحف

وله علي من الحقوق الواجب شكرها ما يكل شبا يراعي عن ذكرها، وهو شيخي الذي أخذت عنه في بدء حالي، وأنضيت إلى موائد فوائده يعملات رحالي اشتغلت عليه فاشتغل بي، وكان دأبه تهذيب أدبي، ووهبني من فضله ما لا يضيع، وحنا علي حنو الظئر على الرضيع، ففرش لي حجر علومه، وألقمني ثدي معلومه حتى شحذ من طبعي مرهفاً، وبرى من نبعي مثقفاً، فما يسفح به قلمي إنما هو من فيض بحاره، وما ينفح به كلمي إنما هو من نسيم أسحار شعره:

ومن منائح مولانا مدائحه ... لأن من زنده قدحي وإيرائي

ثم ذكر خبر ظهوره من الشام، وأنه هاجر إلى الديار الأعجمية، فأقام بها برهة محمود السيرة، عاكفاً على بث العلم ونشره، وأطال، ثم قال: وهو اليوم يتحلى بفضل تشد إليه الرحال، ويتحلى بأدب يروي الإمحال، وينيف برتبة يقصر عنها كل متطاول:

وترجع أيدي الناس دون منالها ... وأين الثريا من يد المتناول

وسأثبت من نظمه ما تتعلق به البلاغة وتتمسك، ويتضوع به كافور الطروس ويتمسك، وتحسد حسن اتساقه الثغور، وتغار له نجوم السماء فتغور، فمن ذلك قوله في الغزل:

أنت يا شغل المحب الواجد ... قبلة الداعي ووجه القاصد

فتَّ آرام الفلا حسناً فما ... قابلت إلا بطرف جامد

شأن قلبينا إذا صح الهوى ... يا حياتي شأن قلب واحد

أكثر الواشون فينا قولهم ... ما علينا من مقال الحاسد

لست أصغي لأراجيف العدى ... من يغالي في المتاع الكاسد

وذكر له أشعاراً ضربت عن ذكرها لأجل الاختصار، ونقلت منها قوله وهو في غاية الرقة:

أجدك شايعت الحنين المرجعا ... وغازلت غزلاناً على الخيف رتعا

وطالعت أقماراً على وجرة النقا ... وقد كنت أنها العين أن تتطلعا

ولم أر مثل الغيد أعصى على الهوى ... ولا مثل قلبي للصبابة أطوعا

ومن شيمتي والصبر عندي شيمة ... متى أرم أطلالا بعيني تدمعا

وقور على يأس الهوى ورجائه ... فما أتحسى الهم إلا تجرعا

خليلي مالي كلما لاح بارق ... تكاد حصاد القلب أن تتصدعا

طوى الهجر أسباب المودة بيننا ... فلم يبق في قوس التصبر منزعا

إلى الله كم أغضبني الجفون على القذى ... وأطوي على القلب الضلوع توجعا

ألا حبذا الطيف الذي قصر الدجى ... وإن كان لا يلقاك إلا مودعا

ألم كحسوا الطير صادف منهلاً ... فأزعجه داعي الصباح فأسرعا

وناضلته باللحظ حتى إذا رمى ... بسطت له حبل الهوى فتورعا

قسمت صفايا الود بيني وبينه ... سواء ولكني حفظت وضيعا

وحزَّت نياط القلب أسباب نيةٍ ... فلله قلبي ما أرق وأجزعا

ومن قوله:

راضتك أصعب ما تكون قيادا ... وسلتك أهلع ما تكون فؤادا

لانت حصاتك في يدي متغطرس ... أحنى عليك مع الهوى أو كادا

آلت عليك وفي أليتها الهوى ... أن لا تمازح طيفها إن عادا

مرت تلاعب ظلها وتكاد من ... فرط النشاة تلاعب الآرادا

<<  <   >  >>