للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن صحبنا الملوك تاهو علينا ... واستبدوا بالرأي دون الجليس.

أو صحبنا التجار عدنا إلى الفقر ... وصرنا إلى حساب الفلوس.

فلزمنا البيوت نتخذ الحبر ... ونملأ به وجوه الطروس.

لو تركنا وذاك كنا ظفرنا ... من أمانينا بعلق نفيس.

غير أن الزمان أعني بنيته ... حسدونا على حياة النفوس.

وأنشد غيره:

أنست إلى التفرد طول عمري ... فمالي بالبرية من أنيس.

جعلت محادثي ونديمي نفسي ... وأنسي دفتري بدل العروس.

قد استغنيت عن فرسي برجلي ... إذا سافرت أو نعل كبوس.

ولي عرس جديد كل يوم ... بطرح الهم في أمر العروس.

فبطني سفرتي والخرج جسمي ... وهمياني فمي أبداً وكيسي.

وبيتي حيث يدركني مسائي ... وأهلي كل ذي عقل نفيس.

وأذكر إن شاء الله في هذا الفصل نبذا مستظرفة، تشتمل على آداب ومكارم الأخلاق، فمن ذلك: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ثلاث لا يعرفون إلا في ثلاث، لا يعرف الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة.

قال عبد الله بن معاوية:

أنى أن يمون أخاً أو ذا محافظة ... من كنت في غيبه مستشعراً وجلا.

إذا تعيبت لم يبرح تظن به ... سوءاً وتسأل عم قال أو فعلا.

لغيره:

سأشكر عمرواً إذا ما تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن أن هي جلت.

ففي غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر شكوى إذا النعل زلت.

رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت.

وللأبيرد الرياحي:

فتى لا يعدل المال ربا ولا ترى ... به جفوة إن نال مالاً ولا كبر.

فتى كان يعطي السيف بالحرب حقه ... إذا ثوب الداعي وتشقى به الجزر.

وهون وجدي إني سوف أغتدي ... على إثره يوماً وإن نفس العمر.

فلا يبعدك الله أما تركتنا ... حميداً وأودى بعدك المجد والفخر.

وقال رجل من بني أسد بن خزيمة يمدح يحيى بن حيان:

ألا جعل الله اليمانين كلهم ... فدى لفتى الفتيان يحيى بن حيان.

ولا عريق في من عصبته ... لقلت وألفت من معد بن عدنان.

ولكن نفسي لم تطلب بعشرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان.

ولأبن أبي عينية المهلبي:

سيكون ما هو كائن في وقتهلما رأيت قاعداً مستثقلاً ... أيقنت أنك للهموم قرين.

فارفض لها وتعر من أثوابها ... إن كان عندك للقضاء يقين.

مالاً يكون فلا يكون بحيلة ... أبداً وما هو كائن سيكون.

سيكون ما هو كائن في وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون.

ولمحمود الوراق:

يا ناظراً يرنو يعيني راقد ... ومشاهداً للأمر غير شاهد.

منتك نفسك ضلة وأبحتها ... طرق الرجاء وهن غير قواصد.

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز عابد.

ونسيت أن الله أخرج آدما ... منها إلى الدنيا بذنب واحد.

قال ابو العباس المبرد رحمه الله: حدثني العباس بن الفرج قال: كان عمرو بن العاص رضي الله عنه يركب بغلة قد شمط وجهها من الهرم، فقيل له: أتركب هذه وأنت على أكبر باخرة بمصر.

فقال: لا ملك عندي لدابتي، ما حملت رحلي ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديق ما حفظ سري، إن الملل من كواذب الأخلاق (قوله: أرم ناخرة يعني أكرم فرس) .

[كتاب.]

من عبد الملك لأبن الأشعث.

قال أبو العباس: كتب صاحب اليمن إلى عبد الملك بن مروان في وقت محاربته لأبن الأشعث: إني قد وجهت لأمير المؤمنين بجارية قد اشتريتها بمال عظيم، ولم يرى مثلها، فلما وصلت إليه وأدخلت عليه، رأى وجهها جميلاً، وخلقها نبيلاً، فألقى إليها قضيباً كان في يده، فنكست لتأخذه، فرأى منها جسماً بهره، فلما هم بها أعلمه الآذن أن رسول الحجاج بالباب، فأذن له ونحى الجارية، فأعطاه كتاباً من عبد الحمن بن الأشعث فيه سطور أربعة:

سائل مجاور جرم هل جنيت لها ... حرباً تزيل بين الجيرة الخلط.

وهل سموت بجواد له لجب ... جم الصواهل بين الجم والفرط.

وهل تركت نساء الحي ضاحية ... في ساحة الدار يستوقدون بالغبط.

<<  <   >  >>