ويبدي الرضى في خالةِ السخط للعدى ... وقورٌ متى يقدح بزنديه يُثقب
فماذا يخر الخائبين وقد رأوا ... ضرائب ذاك المشرفيّ المجرب
غرائبُ أخلاقٍ هي الروض جادهُ ... مُلِثُّ العزالي ذو ربابٍ وهيدب
فكم أعجبت من ناظرٍ متأمل ... وكم حيّرت من سامع متعجب
وقد زادها إفراط حُسنِ جوارها ... طوالعَ في داجٍ من الليل غيهب
وحسنُ دواري الكواكب أن تُرى ... طوالع في داجٍ من الليل غيهب
أرى جمعكم يا أهل حمص مجمّعاً ... بعقبِ افتراقٍ منكمُ وتشعب
وكنتم شعاعاً من طريدٍ مسرد ... وثاوٍ ردٍ أو خائف مترقب
ومن نفرٍ فوق الجذوع كأنهم ... إذا الشمس لاحتهم حرابي تَنضُبِ
تلافاكم الفتح بن خاقان بعدما ... تدهدهتم من حالق متصوب
بعارفةٍ أهدت أماناً لخائفٍ ... وغوثاً للملهوفٍ وعوناً لمذنب
عنت طيئاً جمعاً وثنّت بمذحجٍ ... خصوصاً وعمت في الكلاع وَيَحصب
رددت الردى عن اهل حمص وقد بدا ... لهم جانب الومِ العبوس العصبصب
ولو لم تدافع دونها لتفرقت ... أيادي سباعنها سبا ابنة يشجُب
رفدتهم عند السرير وقد بدا ... لهم ما بدا من سخط اسوان مغضب
فكانت يداً بيضاء مثل اليد التي ... نعشت بها عمروبن غُنمِ بن تغلب
فلم تر عيني نعمتين استحقتا ... ثناءهما في ابني مَعدِّ ويعرب
إن العربُ انقادت إليك قلوبها ... فقد جئت إحساناً إلى كلّ معرب
ولم تعمد حاضراً دون غائب ... ولم تتجانف عن بعيد لأقرب
شكرتك عن قومي وقومك إنّني ... لسانُهما في كلّ شرق ومغرب
وما أنا إلاّ عبدُ نعمتك التي ... نُسبتُ إليها دون أهلي ومنصبي
ومولى أيادٍ منك بيضٍ متى أقل ... بآلائها في مشهد لم أكذّب
وآليتُ لا أنسى بلوغك بي العلى ... على كره شتى من شهود وغيَّب
ودفعي بك الاعداء عني وإنما ... دفعت بركنٍ من ثر روى ومنكب
[وقال يمدحه]
حلفتُ لها بالله يومَ التفرِّق ... وبالوجدِ من قلبي بها المتعلّق
وبالعهد ما البذل القليل بضائع ... لديَّ ولا العهد القديم بمخلِق
وأبثثتها شكوى أبانت عن الجوى ... ودمعاً متى يشهد ببث يُصدَّق
وإني لأخشاها عليَّ إذا نأت ... واخشى عليها الكاشحين واتقي
وإني وان ضنت عليَّ بودها ... لأرتاح منها للخيال المؤرق
يعزُّ على الواشين لو يعلمونها ... ليالٍ لنا تزداد فيها ونلتقي
فكم غلَّة لشوق أطفأتُ حرَّها ... بطيفٍ متى يطرق دجى الليل يطرق
أضمُّ عليه جفن عيني تعلّقاً ... به عند إجلاء النعاسِ المرنّق
أجدَّك ما وصلُ الغواني بمطمعٍ ... ولا القلبُ من رِقِّ الغواني بمعتق
وددتُ بياض السيف يومَ لقيتني ... مكان بياض الشّيب لاح بمفرقي
وصدّ الغواني عند إيماض لمّتي ... وقصَّرن عن لبيك ساعة منطقي
إذا شئت أن لا تعذل الدهر عاشقاً ... على كمدٍ من لوعةِ الحبِّ فاعشقِ
وكنت متى ابعد عن الخلّ اكتئب ... له ومتى أظعن عن الدار أشتق
تلفتُّ من عليا دمشق ودوننا ... للبنانَ هضبٌ كالغمام المعلق
إلى الحيرةِ البيضاء فالكرخ بعدما ... ذممتُ مقامي بين بُصرى وجلّق
إلى معقلي ععزّي وداري إقامتي ... وقصد التفاني بالهوى وتشوقي
مقاصيرُ ملكٍ أقبلت بوجوهها ... إلى منظرٍ من عرض دجلة مونق
كأنّ الرياض الحوّ يكسين حولها ... أفانين من أفواف وشي مفلق
إذا الريحُ هزت نورهنَّ تضوعت ... روائحه من فار مسكٍ مفتق
كأنّ القباب البيضَ والشمس طلقةٌ ... تُضاحكها أنصاف بيضٍ مفلَّق
ومن شرفاتٍ من السماءِ كأنّها ... قوائم بيضٍ من حمام محلق
رباعٌ من الفتح بن خاقان لم تزل ... غنىً لعديمٍ أو فكاكاُ لمرهق
فلا العائذ اللاجي إليها بمسلمٍ ... ولا الطالبُ الممتاحُ منها بمخفق
يحلُّ بها خرقٌ كأنّ عطاءه ... تَلاحُقُ سيلِ الدّيمة المتبعق
تَدَفَّقُ كفٍّ بالسماحة ثرَّةٍ ... وإسفار وجهٍ بالطلاقة مشرق