للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تختال بين لداتها فتخالها ... بدراً بدا بين الجواري الكنس

أرجت برياها الصبا وتضوعت ... أنفاسها والصبح لم يتنفس

ووفت بما وعدت وبات وشاتها ... للوجد بين عم وآخر أخرس

والليل يخفق قلبه من غيرة ... والنجم يرمقنا بمقلة أشوس

يا طيب ليلتنا بشرقي الحمى ... ومبيتنا فوق الكثيب الأوعسي

إذ بات شملي في ضمان وصالها ... والقرب يبدل وحشتي بتأنسي

والليل يكتم سرنا ونجومه ... ترنو إلينا عن لحاظٍ نعَّس

وسنا المجرة في السما كأنه ... نهر تدفق في حديقة نرجس

باتت تدير علي من الحاظها ... كأساً وأخرى من لماها الألعس

حتى إذا رق النسيم وأخفقت ... من أُفق مجلسنا نجوم الأَكؤس

قالت وقد واليت هصر قوامها ... ضاق الخناق عن العناق فنفِّس

ثم انثنت حذر الفراق مروعةً ... في هيئة المستوحش المستأنس

تتنفس الصعداء من وجد وقد ... غصَّ الظلام بصحبه المتنفس

واستعجلت شد النطاق وودعت ... توديع مختلس بحيرة مبلس

لله غانية عنت لضيائها ... شمس الضحى إذ أشرقت في الأطلس

سلبت عقول أولي الغرام صبابةً ... بجمالها الباهي السني الأنفس

وسألتها نفسي فقالت حيرة ... أي النفوس فقلت أعلى الأنفس

لم أنسها يوماً فأذكر أُنسها ... لا كان من ينسي الأحبة أو نسي

ومن قول الخفاجي المذكور.

قل للأحبة أنتم مذ غبتمُ ... لم ألق وجهاً للسلو جميلاً

فجعلت أيام الوصال قصيرة ... ولبست ليلاً للهموم طويلا

[شعر]

الشيخ داود الأنطاكي وممن ترجم له صاحب (السلافة) الشيخ داود الأنطاكي المشهور بالبصير، قال في حقه: أعمى قائده التوفيق والتسديد، ومحجوب كشف عنه غطاؤه فبصر ذكائه حديد، أدرك ببصيرته ما لم تدركه ألو الأبصار، وقطن بمصر فسار صيته في الأمصار، جمع فنون العلم ج=معاً أصبح به علماً فرداً، وسرد شروحه ومتونه عن ظهر قلب سرداً، إلى أدب بهر بتبيانه، وأظهر حكمة شعره وحسن بيانه، فهو عالم في شخص عالم، وعلم شيدت به دوارس المعالم، اعتنى بالطب فصار فيه طَباً عليماً، وفاق أربابه حديثاً وقديماً، ثم ذكر مصنفاته، وذكر أنه استوطن مصر، وحصل له قبول من أهلها، ثم إنهم رمه بأنه ملحد، وزعموا أنه يرى رأي القدماء من الفلاسفة والحكماء إلى غير ذلك من مقالاتهم فلما كثر منهم فيه اللغط ركب متن عزمه على الفرار، وتوجه إلى البيت الذي من دخله كان آمنا، فاستوطن البيت الحرام، وحصل له من شريف الحرمين الحسن بن أبي نمى قبول واحترام، ومكث بمكة شرفها الله في أرغد العيش، وأتم نعمه حتى تصرمت لياليه وأيامه، واخترمت المنية حمامه وذلك سنة ١٠٠٩ تسع وألف عفا الله عنه، وأما شعره فهو غاية في الرقة والانسجام والرصانة والإحكام فمن ذلك قوله:

بروحي أقي من خلتها حين أقبلت ... على إثر حزن تنثر الدمع في الخد

قضيباً من الكافور يمطر لؤلؤاً ... من النرجس الوضاح في فرش الورد

وقوله:

نظرت إليها والسواك قد ارتوى ... بريق عليه الطرف مني باك

تردده من فوق درٍ منظم ... سناه لأنوار البروق يحاكي

فقلت وقلبي قد تفطر غيرةً ... أيا ليتني قد كنت عود أراك

فقالت أما ترضى السواك أجبتها ... وحقك مالي حاجة بسواك

وقوله:

لقد فقت أرباب المحاسن كلهم ... وزدت عليهم بالرشاقة والعقل

فمذ أعجز المغتاب شيء يقوله ... رماك بأوصاف القطيعة والبخل

فلا تثبتي بالهجر زور مقاله ... ولكن صليني أو عديني بالوصل

ولا تمطلي بالوعد صباً معذباً ... وإن قيل إن الشيء يعذب بالمطل

وقوله:

أقول لها هل تسعفين بزورة ... مريضاً كواه البين بالهجر والسقم

فقالت إذا ما فارق الروح زرته ... لأن محالاً جمع روحين في جسم

وقوله في الجناس:

هواك مازج روحي قبل تكويني ... وأنت ظلماً بنار الهجر تكويني

صبرت فيك على أشياء أيسرها ... ذهاب نفسي وقوم عنك تلويني

قد حل عقد اصطباري طول هجرك لي ... وليس غير وصال منكِ يبريني

إذا شممت شذا رياك منتشقاً ... فما نسيم أتى من نحو يبرين

<<  <   >  >>