يُعطي عطاء المحسن الخضل الندى ... عفواً ويعتذر اعتذار المذنب
ومرحبٌ بالزائنين وبشره ... يغنيك عن اهلٍ لديه ومرحب
يغدو مؤمله إذا ما حطّ في ... أكنافه رحل المكل الملغب
سلس اللبانة والرجاء ببابه ... كَثبَ المنى ممتد ظل المطلب
الجد شيمتُهُ وفيه فكاهةٌ ... سمحٌ ولا جدٌ لمن لم يلعب
شرسٌ ويتبع ذاك لينُ خليفةٍ ... لا خير في الصهباء ما لم تقطب
صلبٌ إذا اعوجَّ الومان ولم يكن ... ليلين صلب الخطب من لم يصلب
الودُّ للقربى ولكن عرفه ... للأبعد الأَوطان دون الأقرب
وكذاك عتاب بن سعد أصبحوا ... وهمُ زمام زماننا المتقلب
هم رهطُ من أمسى بعيداً رهطه ... وبنو أبي رجُلٍ بغير بني أب
ومنافسٌ عُمرَ بن طوق ماله ... من ضغنه غير الحصى والأثلب
تعب الخلائق والنوال ولم يكن ... بالمستريح العرض من لم يتعب
بشحوبه في المجد أشرق وجهه ... لا يستنير فعال من لم يشحب
بحر يطمّ على العفاة وإن تهج ... ريح السؤال بموجه يغلولب
والشولُ ما حُلبت تدفق رِسلها ... وتجفُ درتَّها إِذا لم تحلب
يا عقب طوق أيّ عقب عشيرةٍ ... وأنتم ورَبةَ معقب لم يعقب
قيدت من عمر بن طوق همَّتي ... بالحوَّل الثبت الجنان القلّب
نفق المديحُ ببابه فكسوته ... عقداً من الياقوت غير مثقب
أولى المديح بأن يكون مهذباً ... ما كان منه في أغر مهذب
غربت خلائقهُ فأغرب شاعرٌ ... فيه فأحسن مُغربٌ في مُغرب
لما كرمت نطقت فيك بمنطق ... حقٍّ فلم آثم ولم اتحوَّب
ومتى مدحتُ سواكَ متى يضق ... عني له صدق المقالة أكذب
[وقال يمدح أبا العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب]
أهنَّ عوادي يوسف وصواحِبُه ... فعزماً فقدماً أدرك السؤل طالبه
إذا المرء لم تستخلص الحزم نفسُهُ ... فذروته للحادثات وغاربه
أعاذلتني ما أَخشن الليل مركباً ... وأخشنُ منه في الملمات راكبه
ذريني وأهوال الزمان اُقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه
ألم تعلمي أنَّ الزماع على السرى ... أخو النجح عند الحادثات وصاحبه
دعيني على أخلاقي الصُّم التي ... هي الوفر أو سربٌ ترنُّ نوادبه
فإن الحسام الهنداوي إِنما ... خشونته ما لم تفلل مضاربه
وقلقل نأيي من خراسان جأشها ... فقلت اطمئني انضر الروض عازبه
وركب كأطراف الأسنة عرسوا ... على مثلها والليل تسطو غياهبه
لأمر عليهم أن تتم صدورُهُ ... وليس عليهم أن تتم عواقبه
على كل موار الملاط تهدمت ... عريكتُه العلياء وانضمَّ حالبه
رعته الفيافي بعد ما كان حقبةً ... رعاها وماء الروض ينهلُّ ساكبه
فأضحى الفلا قد جدَّ في بري نحضِهِ ... وكان زماناً قبل ذاك يلاعبه
فكم جزع وادٍ جبَّ ذروة غارب ... وبالأَمس كانت أتمكته مذانبه
إليك جزعنا مغرب الملك كلّما ... وسطنا ملاً صلَّت عليك سباسبه
فلو أنَّ سيراً رمنهُ فاستطعنه ... لصاحبنا شوقاً إليك مغاربه
إلى ملك لم يلق كلكل بأسه ... على ملك إلا وللذل جانبه
إلى سالب الجبار بيضة ملكهِ ... وآمله غادٍ عليه فسالبه
وأي مرام عنه يعدو نياطه ... غداً وتكلُّ الناعجات أخاشيه
وقد قرب المرمي البعيد زجاؤه ... وسهَّلت الأرض العزاز كتائبه
إذا أنت وجهت الركاب لقصده ... تبينت طعم الماء ذو أَنت شاربه
جديرٌ بأن يستحي الله بادياً ... به ثمَّ يستحي الندى ويراقبه
سما للعلا من جانبيه كليهما ... سموَّ عباب الماء جاشت غواربه
فنوَّل حتى لم يجد من ينيله ... وحارب حتى لم يجد من يحاربه
وذو يقظاتٍ مستمرٍ مريرها ... إذا الخطبُ لاقاه اضمحلت نوائبه
وأين بوجه الحزم عنه وإنما ... مرائي الأمور المشكلات تجاربهُ
أرى الناس منهاج الندى بعدما عفت ... مهايعه المثلى ومحَّت لواحبه
ففي كل نجد في البلاد وغائر ... مواهب ليست منه وهي مواهبه