وأكبر ظني انك ايوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى اله يفلت
وأي امرئ يأتي بعذر وحجة ... سيف المنايا بين عينيه مصلت
وما جزعي من أن أموت وإنني ... لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت
فان عشت عاشوا سالمين بغبطة ... أذود الردى عنهم وان مت موتوا
وكم قائل لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسر ويشمت
يعز على الاوس ابن تغلب موقف ... يسل علي السيف فيه وأسكت
فتبسم المعتصم، وقال: وقد وهبتك للصبية، وغفرت لك الصبوة.
كاد والله يا جميل أن يسبق السيف العذل، وأمر بفك قيةده، وخلع عليه وعقد له على شاطئ الفرات
[شعر]
ابن عبد ربه الأندلسي لم أظفر من شعره إلا بمقاطيع غزلية فأحببت نقله هنا لجودتها، فمنها قوله في رقة التشبيب:
صحا القلب إلا نظرة تبعث الاسى ... لها زفرة موصولة بحنين
بلى ربما حلت عرى عزماته ... سوالف آرام وأعين عين
لواقط حبات القلوب إذا زنت ... بسحر عيون وانكسار جفون
وريط من المواشي أينع تحته ... ثمار صدور لا ثمار غصون
برود كأنوار الربيع لبسنها ... ثياب خضاب لا ثياب مجون
فرين أديم الليل عن نور أوجه ... تجن بها الألباب كل جنون
وجوه جرى فيها النعيم فكللت ... بورد خدود يجتنى بعيون
سألبس للأيام درعاً من الأسى ... وإن لم يكن عند اللقا بحصين
فكيف ولي قلب إذا هبت الصبا ... أهاب بشوق في الضلوع دفين
ويهتاج منه كلما كان ساكناً ... دعاء حمام لم يبت بوركون
وإن ارتياحي من بكاء حمامة ... كذي شجن داويته بشجون
كأن حمام الأيك حين تجاوبت ... حزين بكى من رحمه لحزرين
ومما عارض به صريع الغواني في قوله:
أدير علي الراح لا تشربا قبلي ... ولا تطلبا من عند قاتلتي ذحلي
فيا حزني إني أموت صبابة ... ولكن على من لا يحل له قتلي
فديت التي صدت وقالت لتربها ... دعيه الثريا منه أقرب من وصلي
فقال على رويه:
أتقتلني وتجحدني قتلي ... وقد قام من عينك لي شاهد أعدل
أطلاب ذحلي ليس بي شادن ... بعينيه سحر فاطلبوا عنده ذحلي
أغار على قلبي فلما أتيته ... أطالبه فيه أغار على عقلي
بنفسي التي ضنت برد سلامها ... ولو سألت قتلي وهبت لها قتلي
إذا جئتها صدت حياءً بوجهه ... فتهجرني هجراً ألذ من الوصل
وإن حكمت جارت علي بحكمها ... ولكن ذاك الجور أشهى من العدل
كتمت الهوى جهدي فحرره الأسى ... بماء البكا هذا يخط وذا يملي
وأحببت فيها العذل لذكرها ... فلا شيء في فؤادي من العذل
أقول لقلبي كلما ضامه الأسى ... إذا ما أبيت العز فأصبر على الذل
برأيك لا رأيي تعرضت للهوى ... وأمرك لا أمري وفعلك لا فعلي
وجدت الهوى نصلاً من الموت مغمداً ... فجرته ثم أتكيت على النصل
فإن تك مقتولاً على غير ريبة ... فأنت الذي عرضت نفسك للقتل
قال الناظم: فمن رأى سهولة هذا الشعر مع بديع معناه، ورقو طبعه، لم يفضل شعر صريع الغواني عليه إلا بفضل التقدم، ولا سيما إذا قرن قوله في هذا الشعر.
كتمت الذي ألقى من الحب عاذلي ... فلم يدر ما بي فاسترحت من العذل
بقوله:
وأحببت فيها العذل حباً لذكرها ... فلا شيء أشهى في فؤادي من العذل
ومن قوله في رقة التشبيب:
أدعو عليك فلا دعائي يسمع ... يا من يضر مناظريه وينفع
للورد حين ليس يطلع دونه ... والورد عندك كل يوم يطلع
لم تنصدع كبدي عليك لضعفها ... لكنها ذابت فما تتصدع
من لي بأجرد ما يبين لسانه ... خجلاً وسيف جفونه ما يقلع
منع الكلام سوى إشسارة مقلة ... فيها يكلمني ومنها يسمع
ومن قوله في البين:
هيج البين دواعي سقمي ... وكسى جسمي ثوب الألم
أيها البين أقلني مرة ... فإذا عدت فقد حل دمي
يا خلي الذرع نم في غبطة ... إن من فارقته لم ينم
ولقد هاج لقلبي سقماً ... ذكر من لو شاء دواى سقمي
ومن قوله في المعنى: