واسترعن الجلساء همك انما ... جاساؤك الحساد والشمات
ودع الأوقع للحوادث انه ... للحي من قبل الممات ممات
فالهم ليس له ثبات مثلما ... في أهله ما للسرور ثبات
لولا مغالطة النفوس عقالها ... لم يصف للمتيقظين حياة
وقال أيضا:
بحفظ الجسم تبقى النفس فيه ... بقاء النار تحفظ بالوعاء
فبالبأس الممض فلا تمتها ... ولا تمدد لها حبل الرجاء
وعدها في شدائدها رخاء ... وذكرها الشدائد في الرخاء
يعد صلاحها هذا وهذا ... وبالترتيب منفعة الدواء
وللبيد:
أكذب النفس إذا حدثتها ... أن صدق النفس مزر بالأمل
قال أبو الفرج: روي انه جاء الكميت الشاعر إلى الفرزدق فقال له: يا عم إني قد قلت قصيدة أريد أن اعرضها عليك قال قل فانشده:
طربت وما شوقاً إلى البيض اطرب ... ولا لعباً مني وذو الشوق يلعب؟
فقال الفرزدق ولماذا لم تطرب فقال:
ولم تلهني دار ولا رسم منزل ... ولا يزدهي قلبي بنان مخضب
فقال الفرزدق: أجماد أنت ويحك؟ فقال:
ولا أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب
ولا السانحات البارحات عشية ... أمر سليم القرن أم مر أعضب
ولكن إلى أهل الفضائل والنهى ... وخير بني حاء والخير يطلب
فقال الفرزدق: م هؤلاء لا أم لك فقال:
إلى النفر البيض الذين بحبهم ... إلى الله فيما نابني أتقرب
فقال الفرزدق من هم أرحني؟ فقال:
بني هاشم رهط النبي فإنني ... بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب
فقال الفرزدق: لو جزتهم إلى سواهم لذهب شعرك باطلاً ومنها:
خفضت لهم مني جناح مودة ... إلى كنف عطفاه أهل ومرحب
ومالي إلا آل أحمد شيعة ... ومالي إلا مذهب الحق مذهب
بأي كتاب أم بأية سنة ... يرى حبهم عاراً علي ويحسب
يشيرون بالأيدي إلي وقولهم ... إلا خاب هذا والمشيرون أخيب
روي انه حج هشام بن عبد الملك، وأراد استلام الحجر، فلم يصل إليه إلا بعد زحام، ثم وضع له كرسي، وجلس فجاء زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، فلما أراد استلام الحجر تنحى الناس عنه، فسأل هشام من كان عنده عنه فقالوا: لا نعرفه، وكان الفرزدق حاضراً، فقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين فقال من هو فأنشد:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
وليس قولك من هذا بضائره ... والعرب تعرف من أنكرت والعجم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم
ينشق نور الهدى عن نور غرته ... كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
من معشر حبهم دين وبغضهم ... إثم وقربهم منجى ومعتصم
أن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا ينقص العدم بسطاً من أكفهم ... سيان ذلك أن أثروا وان عدموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم ... في كل أمر ومختوم به الكلم
وللشريف ارضي:
لغير العلى مني القلى والتجنب ... ولولا العلى ما كنت في العيش أرغب
إذا الله لم يعذرك فيما ترومه ... فما الناس إلا عاذل أو مؤنب
ملكت بحلمي فرصة ما استرقها ... من الدهر مفتول الذراعين أغلب
فان تك سني ما تطاول باعها ... فلي من وراء المجد قلب مدرب
فحسبي أني في الأعادي مبغض ... واني إلى غر المعالي محبب
وللحلم أوقات وللجهل مثلها ... ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب
يصول علي الجاهلون وأعتلي ... ويعجم في القائلون وأعرب
يرون احتمالي غصة ويزيدهم ... لواعج ضغن إنني لست أغضب
وأعرض عن كأس النديم كأنها ... وميض غمام غائر المزن خلب
وقور فلا الألحان تأسر عزمتي ... ولا تمكر الصهباء بي حين أشرب