لقد سرني ما قد سمعت من الرضى ... وقد هزني ذاك الحديث وأطربا
وبشرت باليوم الذي فيه نلتقي ... ألا إنه يوم يكون له نبا
فعرض إذا حدثت بالبان والحمى ... وغياك أن تنسى فتذكر زينابا
ستكفيك من ذاك المسمى إشارة ... ودعه مصوناً بالجمال محجبا
أشر لي بوصف واحد من صفاته ... تكن مثل من سمى وكنى ولقبا
وزدني من ذاك الحديث لعلني ... أصدق أمراً كنت فيه مكذبا
سأكتب مما قد جرى في عتابنا ... كتاباً بدمع للمحبين مذهبا
عجبت لطيف زار بالليل مضجعي ... وعاد ولم يشف الفؤاد المعذبا
فأوهمني أمراً وقلت لعله ... رأى حالة لم يرضها فتجنبا
وما صدعن عن أمر مريب وإنما ... رآني قتيلاً في الدجى فتهيبا
ومن قوله:
كلفت بشمس لا ترى الشمس وجههاً ... أراقب فيها ألف عين وحاجب
ممنعة بالخيل والقول والقنا ... وتضعف كتبي عن زحام الكتائب
ولو حملت عني الرياح تحية ... لما نفذت بين القنا والقواضب
فمالي منها رحمة غير إنني ... أعلل نفسي بالأماني الكواذب
أغار على حرف يكون من أسمها ... إذا ما رأته العين في خط كاتب
ومن قوله:
وغانية لما رأتني أعولت ... وقالت عجيب يا زهير عجيب
رأت شعرات لحن بيضاً بمفرقي ... وغصني من ماء الشباب رطيب
لقد أنكرت مني مشيباً على صبى ... فقالت مشيب قلت ذاك مشيب
وما شبت إلا من وقائع هجرها ... على أن عهدي بالصبا لقريب
عرفت الهوى من قبل أن يعرف الهوى ... وما زال لي في الغيب منه نصيب
ولم أر قلباً مثل قلبي معذباً ... له كل يوم لوعة ووجيب
وكنت إذا استهونت في الحب نظرة ... وقد صار منها في الفؤاد لهيب
تركت عذولي ما أراد بقوله ... يسفه يرزي يستخف يعيب
ومإذا به إلا دماثة منطقي ... وإني مزاج اللسان لعوب
أروح ولي في هزة الحب نشوة ... ولست أبالي أن يقال طروب
محب خليع عاشق متهتك ... يلذ لقلبي كل ذا ويطيب
خلعت عذاري بل لبست خلاعتي ... وصرحت حتى لا يقال مريب
وفي لي من أهوى وأنعم بالرضى ... يموت بغيظ عاذل ورقيب
فلا يعيش إلا بالأحبة جامع ... ولا أنس إلا أن يزور حبيب
وإني ليدعوني الهوى فأجيبه ... وإني ليثنيني التقى فأنيب
رجوت كريماً قد وثقت بصنعه ... وما كان من يرجو الكرام يخيب
فيا من يحب العفو إني مذنب ... ولا عفو إلا أن تكون ذنوب
ومن قوله في الشيب:
سلام على عهد الشبيهة والصبا ... وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحبا
ويا راحلاً عني رحلت مكرماً ... ويا نازلاً عندي نزلت مقرباً
أأحبابنا إن المشيب لشارع ... لينسخ أحكام الصبابة والصبا
وفي مع الشنب الملم بقية ... تجدد عندي هزة وتطربا
أحن إليكم كلما لاح بارق ... وأسأل عنكم كلما هبت الصبا
وما زال وجهي أبيضاً في هواكم ... إلى أن سرى ذاك البياض فشيبا
وليس مشيباً ما ترون بعارضي ... فلا تمنعوني أن أهيم وأطربا
فما هو إلا نور ثغر لثمته ... تعلق في أطراف شعري فألهبا
وأعجبني التنيس بيني وبينه ... فلما تبدي أشنبا حلت أشيبا
وهيفاء بيضاء النرائب أبصرت ... مشيبي فأبدت روعة وتعجبا
جنت لي هذا الشيب ثم تجنبت ... فواحربا ممن جنى وتجنبا
تناسب خدي في البياض وخدها ... ولو دام مسوداً لقد كان أنسبا
وإني وإن هز الغرام معاطفي ... لآبي الدنايا نخوة وتعربا
أتية على كل الأنام نزاهة ... وأشمخ إلا للصديق تأدبا
وإن قلتم أهوى الرباب وزينبا ... صدقتم ساو عني الرباب وزينبا
ولكن فتى قد نال فضل بلاغة ... تلعب فيها بالكلام تلعبا
ومن قوله:
جاءت تودعني والدمع يغلبها ... يوم الرحيل وحادي البين منصلت
وأقبلت وهي في خوف وفي دهش ... مثل الغزال من الأشراك ينفلت
فلم تطق خيفة الواشي تودعني ... وريح الوشاة لقد نالوا وقد شمتوا