أقسمت ما الصنع الجميل تصنع ... فيه ولا الخلق الكريم تخلق
يدعو الوفود لماله فكأنما ... يدعو إليه فشمله يتفرق
أبداً تحن إلى الطراد جياده ... فلها إليه تشوف وتشوق
يبدي لسطوته الخميس تطرباً ... فالسمر ترقص والسيوف تصفق
في طي لامتة هزبر باسل ... تحت العريكة وهو بدر مشرق
يروي القنا بدم الأعادي في الوغى ... فلذاك يثمر بالرؤوس ويورق
يمضي فيقدم جيشه من هيبة ... جيش يغص به الزمان ويشرق
ملأ القلوب مخافة ومحبة ... فالبأس يرهب والمكارم تعشق
ستجوب آفاق البلاد جياده ... ويرى له في كل فج فيلق
لبيك يا من لا مرد لأمره ... فإذا دعا العيوق لا يتعوَّق
لبيك يا خير الملوك بأسرهم ... وأعز من تحدى إليه الأنيق
لبيك ألفاً أيها الملك الذي ... جمع القلوب نواله المتفرق
وعدلت حتى ما بها متظلم ... وأنلت حتى ما بها مسترزق
أنا من دعوت وقد أجابك مسرعاً ... هذا الثناء له وهذا المنطق
ألفيت سوقاً للمكارم والعلى ... فعلمت أن الفضل فيه ينفق
يا من إذا وعد المنى قصاده ... قالت مواهبه يقول ويصدق
يا من رفضت الناس حين لقيته ... حتى ظننت بأنهم لم يخلقوا
قيدت في مصر إليك ركائبي ... غيري يغرب تارة ويشرق
وحللت عندك إذ حللت بمعقل ... يلفي لديه مارد والأبلق
وتيقن الأقوام أني بعدها ... أبداً إلى رتب العلى لا أسبق
فرزقت ما لم يرزقوا ونطقت ما ... لم ينطقوا ولحقت ما لم يلحقوا
وقال يمدح الصاحب صفي الدين أبا عبد الله بن علي المعروف بابن شكر:
أخذت عليه في المحبة موثقاً ... وما زال قلبي تجنيه مشفقا
وقد كنت أرجو طيفه أن يلم بي ... فأسهرني كي لا يلم ويطرقا
ولي فبه قلب بالغرام مقيد ... له خبر يرويه دمعي مطلقا
كلفت به أحوى الجفون مهفهفاً ... من الظبي أحلى أو من الغصن أرشقا
ومن فرط وجدي في لمه وثغره ... أعلل قلبي بالعذيب وبالنقا
كذلك لولا بارق من جبينه ... لما شمتُ برقاً أو تذكرت أبرقا
ولي حاجة من وصله غير أنها ... مرددة بين الصبابة والتقى
خليلي كفا عن ملامة مغرم ... تذكر أياماً مضت فتشوقا
ولا تحسبا قلبي كما قلتما سلا ... وتحسبا دمعي كما قلتما رقا
فما ازداد ذاك القلب إلا تماديا ... وما ازداد الدمع إلا تدفقا
إلى كم أَََرجي باخلاً بوصاله ... وحتى متى أخشى القلى والتفرقا؟
فحسب فؤادي لوعة وصبابة ... وحسب جفوني عبرة وتأرقا
على أنها الأيام مهما تداولت ... سرور تقضى أو جديد تمزقا
ولست ترى خلا من الغدر سالماً ... ولا تنتفي يوما صديقاً فيصدقا
ومما دهاني حرفة أدبية ... غدت دون إدراك المطالب خندقا
وإن شملتني نظرة صاحبية ... فلست أرى يوماً من الدهر مملقا
وزير إذا ما شمت غرة وجهه ... فدع لسواك العارض المتألقا
ذمت السحاب الغر يوم نواله ... وحقر عندي وبلها المتدفقا
وجدت جناباً فيه للمجد مرتقى ... وفيه لذي الحاجات والنجح ملتقى
إذا قلت عبد الله ثم عنيته ... جمعت به كل التعاويذ والرقى
يقيك من الأيام كل ملمة ... ويكفيك من أحداثها ما تطرقا
وكم لك فينا من كتاب مصنف ... تركت به وجه الشريعة مشرقا
عكفنا عليه نجتني من فنونه ... فعلمنا هذا الكلام الموثقا
وكم شاعر وافى إليك بمده ... فزخرفها مما أفدت ونمقا
فإن حسنت لفظاً فمن روضك اجتني ... وإن عذبت شرباً فمن بحرك استقى
فلا زلت ممدوحا ًبكل مقالة ... تريك جريراً عبدها والفرزدقا
وما حسنت عندي وحقك إذ غدت ... هي التبر مسبوكاً أو الدر منتقى
ولا إن جرت مجرى النسيم لطافة ... ولا إن حكت زهر الرياض المعبقا
ولكنها حازت من اسمك أحرفاً ... كستها جمالا في النفوس ورونقا
وقال لما رحل من مصر يتشوق إلى جماعة من الأدباء فارقهم بها: