يقول جامع هذا المجموع: وفي هذه الأيام أتاح الله لي كتاب ((سلافة العصر)) تأليف العلامة السيد علي صدر الدين المدني بن أحمد نظام بن أحمد نظام الين الحسني أحد أعلام الأدب في القرن الحادي عشر، المعروف بابن معصوم رحمة الله. قال مؤلف ((نفحة الريحان)) القول فيه أنه أبرع من أظلته الخضراء، وأقلته الغبراء، وإذا أردت علاوة في الوصف قلت هو الغاية القصوى، الآية الكبرى, طلع بدر سعده فنسخ الأهلة، وانهل سحاب فضله, فأخجل السحب المنهله، فوجدت في هذا الكتاب من التراجم الفائقة، والأشعار الرائقة ما تقر به أعين أهل الفضل والأدب، وما يشتاق إلى سماعه ذوو الحسب مما يصبوا إليه القلب والطرف، ويقطر منه ماء الملاحة والظرف, فنقلت من فرائدة ما يزري بعقود الجمان في أجياد الحسان. وأما شعر صاحب الترجمة فهو في غاية الرقة والانسجام هو السحر الحلال والعذب البارد الزلال: فمن ذلك قوله من نونية نبوية نظمها وهو بحيدر آباد:
تذكر بالحمى رشأً أغنا ... وهاج له الهوى طربا فغنى
وحن فؤاده شوقاً لنجد ... وأين الهند من نجد وأنَّى؟
وغنت في فروع الأيك ورق ... فجاوبها بزفرته وأنَّ
وأودى لاعج الأشواق منه ... بويرق بالأبيرق لاح وهنا
معنَّى كلما هبَّت شمال ... تذكَّر ذلك العيش المهنا
إذا جن الظلام عليه أبدى ... من الوجد المبرح ما أجنا
سقى وادي الغضى دمعي إذا ما ... تهلل لا السحاب إذا أرجحنَّا
فكم لي رباه قضيب حسن ... تفرد بالملاحة إذ تثنى
كلفت به وما كلفت فرضاً ... فأوجب طرفه قتلي وسنا
وأبدى حبه قلبي وأخفى ... فصرح بالهوى شوقاً وكنى
تفنن حسنه في كل معنى ... فصار العشق لي بهواه معنى
بدا بدراً ولاح لنا هلالاً ... وأشرق كوكباً واهتز غصنا
وثنى قده الحسن ارتياحاً ... فهام القلب بالحسن المثنى
ولو أن الفؤاد على هواه ... تمنى كان غاية ما تمنى
بكيت دماً وحن إليه قلبي ... فخضب من دمي كفاً وحنى
قال ناقل الترجمة: ولم أظفر بتاريخ وفاته غير أني أظن أن وفاته بعد الألف والمائة رحمه الله.
ومن قوله مادحا أباه، وهي من غرر القصائد, وقد عارض بها قصيدة أبن هانئ الأندلسي التي مدح بها أبن غلبون التي مطلعها "فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر".
لمن الكتائب في العجاج الأكدر ... يخطرن في زرد الحديد الأخضر
ضربت عليهن الرماح سردقاً ... دعمت بساعد كل شهم أعصر
والبيض تلمع في القتام كأنها ... لمع البوارق في ركام كنهور
وصليل وقع المرهفات كأنه ... رعد يجلجل في أجش مزجر
والراية الحمراء يخفق ظلها ... يهفو إليها كل ليث مزئر
والخيل قد حملت على صهواتها ... من كل أصيد باسل ذي مغفر
متسربل بالقلب فوق دلاصه ... متلثم بالنقع لما يسفر
في موقف كسف الظهيرة نقعه ... فأضاءها بشروق وجهه مقمر
يختال في حلف الدلاص كأنه ... يختال منه في مفوف عبقر
في فتية ألفوا السنور والقنا ... فقبابهم قصب الوشيج الأسمر
يغرون بيضهم الرقاب وينهلوا ... زرق الأسنة من نجيع أحمر
شادوا عمادهم بكل مثقف ... لدن ومجدهم بكل مشهر
حلوا من العلياء قمة رأسها ... وحووا بسالة أكبر عن أكبر
من منهم الملك المهيب إذا بدا ... خضعت له ذلاً رقاب الأعصر
فخر المفاخر والمآثر والجحا ... فل والفضائل والعلى والمنبر
القائد الجيش العرمرم معلماً ... من كل ليث ذي براثن قسور
السائق الجرد المذاكي شزباً ... تخطو وتخطر بالرماح الخطر
الفالق الهامات في يوم الوغى ... والسمر بين محطم ومكسر
الشامخ النسبين بين ذوي العلى ... الباذخ الحسبين يوم المفخر
الواهب البدرات يتبعها الندى ... من جوده بسحاب تبر ممطر
يجلو دجى الآمال منه بنائل ... متلألئٍ وبوجه جود مسفر
ولكم جلا رهج القتام بباتر ... متألق وسنان أسمر سمهري
ملك إذا ما جاد يوماً أو سطا ... فالخلق بين مملك ومعفر
من دوحة المجد الرفيع عماده ... والفرع يعرب عن زكي العنصر