إن الاماكن تستحب لاهلها ... أنا عروة وجميعهم عفراء
بهم أشبب لا بعاتكة وكم ... في مهجتي من بينهم برحاء
أسمائهم ملأت خروق مسامعي ... لاميّ تسكنها ولا أسماء
للناظرين على الفراق مواطن ... لهم بهن عن الجنان غناء
وبسوحهن مراتع وملاعب ... الليل فيها والنهار سواء
مستوطن الآمال غايات المنى ... للغانيات بها الغداة ثواءِ
يرتعن بين ضلوعنا فكأنما ... أرباعها الألباب والأحشاء
آرام أنسي للنفوس أوانس ... داء ولكن للعيون دواء
يصغي إليهن الجليس فينتشي ... وهناك لا خمر ولا صهباء
حل الربيع متى حللن بمنزل ... فكأِنهن عوارض وحياء
وإذا ارتحلن ترى الديار كأنها ... من فقدهن سباسب قفراء
كم من مناهل للفرات وردنها ... وصدرن وهي لعودهن ظماء
لا تعجبن إن لم يفين بوعد ... إن الغواني ما لهن وفاء
سكان تلك الأرض كلهم لهم ... عندي هوى وصداقة وإخاء
إن يسلبوا عني السرور ببينهم ... فلمهجتي بحديثهم ثراء
فهم مناط مساءتي ومسرتي ... وهم لقلبي شدة ورخاء
أكبادنا نار الغضا من بعدهم ... تذكي الأسى وجفوننا أنواء
الطاعنون القاطنون قلوبنا ... هم واصلين وقاطعين سواء
وإذا المحبة في الصدور تمكنت ... فقد استوى الإبعاد والإدناء
ألقتني الأيام من أرض إلى ... أرض لها أرض العراق سماء
شتان ما بيني وبين مزارهم ... هيهات أين الهند والزوراء
كيف احتيالي في الوصول إليهم ... إن الوصول إليهم لرجاء
لا تركبن ظهر الرجاء مطية ... إن الرجاء مطية عرجاء
وكواذب الآمال لا تهدي بها ... دعها فتلك هدية عمياء
يا ساكني دار السلام عليكمُ ... مني السلام ورحمة ودعاء
أين العزاء وأهله وضجيعُه ... روحي له ولما حواه فداء
ومن مديحها:
الأحمد المحمود كل فعاله ... ما شاءه وقضى به فقضاء
ما للعقول وفوق ساحة فضله ... قد ضلِّت الأفهام والآراء
فله يدٌ وله أناملُ فعلها ... الإنعام والإحسان والإعطاء
لا كالبحار تظل تجمع ماءها ... بل كالجبال يسيل عنها الماء
دار المعاني والبحار كليهما ... يوم العطاء لدى يديه هباء
فلسيبه وعطائه بسؤاله ... ولسبيه ولسيفه الأعداء
شرك الأفاضل في خصائص فضلهم ... وله خصائص دونها الإحصاء
وهي طويلة اكتفيت من نقلها بهذا المقدار طلباً للاختصار.
وذكر له أيضا ًقصيدة ذكر أنه مدح بها والده أيضاً وهي:
أليلة القدر أم ليالي الرغائب ... ليال قطعناها بوصل الحبائب
ليل تجلت بالوجوه وزينت ... بها لا بأقمار ولا بكواكب
وما سمن الأنظار والقلب وامق ... إذا كان مرعاها خدود الكواعب
رأيت وما آنست نوراً كوجهها ... وطفت بقاع الأرض من كل جانب
إذا خفيت لاحت وأخفت إذا بدا ... سنا وجهها مثل النجوم الثواقب
تعرضتها شاكي السلاح أخاف من ... صوارم لحظ أو سهام صوائب
لئن أخطأت بعض القلوب سهامها ... فما كل ما يرمي السقيم بصائب
لرؤيتها كلي عيونٌ وكلها ... بهاءٌ وحسنٌ لم يزين بجالب
وما جشأت نفسي لدى الصد والنوى ... ويعرف قدر المرء عند النوائب
ولا أتحاشى الموت إن كان مقتلي ... بسهم لحاظ من قسي الحواجب
وكيف يخاف الموت من كان هلكه ... بأشباه أطراف القنا والقواضب
مسافة بين الخافقين بذكرها ... لأقرب مما بين عين وحاجب
فلم أدر إذ طال السرى بحديثها ... مشيت برجلي أم مشت بركائبي
أراقت دمي أم لم ترقه فإنني ... وإن أتلفتني لست عنها براغب
لكثرة ضربي باليدين قد انمحت ... لها أسفاً يوم الوداع رواجبي
رجعنا وما أبصارنا برواجع ... وأبنا وما ألبابنا بأوائب
تراني يا سلم ابن ود لصاحب ... وصاحبة يستعذبان مشاربي
فلا أستقي إلا بحبل مساجلي ... ولا أرتوي إلا بكأس مصاحبي
وما بخلت نفسي ولا ضقت ساعة ... بلين لسلم أو بحزن لحارب