قال الشرواني أيضاً: قلت مكاتباً السيد الفاضل الرباني يوسف إبراهيم الأمير الكوكباني بجدة المحمية:
تذكرت من حالت عن الود والعهد ... ففاضت دموع العين شوقاً على خدي.
خليلي مر بالتي من بعدها ... أقضي الليالي بالتفكير والسهد.
وقولا لها طال اجتنابك عن فتى ... غدا بك صباً لا يعيد ولا بيدي.
فجودي بما يشفيه من ألم الهوى ... وينجو به من قادح الشوق والوجد.
عسى ترحم الصب المعنى بزورة ... يفوز بها بعد القطيعة والبعد.
رعى الله أياماً تقضت بقربها ... وليلات أفراح خلت في ربي نجد.
بها كنت في روض الرفاهة مارحاً ... فولت وآلت لا تعود إلى أهلي.
نعم هكذا الأيام تمضي وعودها ... محال فمالي لا أميل إلى الزهد.
وحسبك يا قلبي حبيباً موافق ... أمين وفي لا يخونك في الود.
كمثل أخي المجد المؤثل يوسف ... أمين المعالي كوكب الفضل والرشد.
شريف عفيف أريحي مهذب ... مناقبه جلت عن الحصر والحد.
به أشرقت شمس المعارف والهدى ... على فلك العلا مذ كان في المهد.
جدير بأن يسمو على كل فضائل ... حري بذا المدح المنظم كالعقد.
فلا زلت بالعم المكرم هادياً ... لأهل النقى والفضل يا خير من يهدي.
وأزكى صلاة الله ماذر شارق ... وما حن مشتاق وما أن ذو وجد.
يخص بها الهادي الشفيع محمد ... آل له والصحب ذو الفضل والمجد.
فأجابه (يوسف الكوكباني) لافص فوه:
تهادت إلى سوحي وزارت بلا وعد ... ومنت لتطفي من فؤادي لظى الوجد.
وجادت على رغم الرقيب بوصلها ... فداوت عليل الشوق من ألم الصد.
رشيقة قد تخجل الغصن والنقا ... فوا خجلة الأأغصان من مائس القد.
منعمة من لحظها السحري والظبا ... فما سحر هاروت وما الصارم الهندي.
حمت روض خديها صوارم لحظها ... فما حامت الآمال حول حمي الخد.
ويقولون أن الخمر بين شفاهها ... وأين وذا في الذوق أحلى من الشهد.
وقد حال دون الرشف عقرب صدغها ... وقام بلال الخال يحمي جنى الورد.
هم زعموا أن الثنايا لآلى ... وشتان ما بين المقاصد والعقد.
وكم مغرم من شدة الوجد والهوى ... تشاوره الأحزان في القرب والبعد.
يعاني قامات الغصون تسليا ... ويستحسن الرمان شوقاً إلى الهند.
ولكنني في شرعة الحب واحد ... سأبعث في أهل الهوى أمة وحدي.
تحير فكري بين صبح جبينها ... وإشراق شمس الفرق في الفاحم الجعد.
ومهما دجا ليل الذوائب لاح من ... سنا ثغرها برق إلى حسنها يهدي.
فلم أرض تشبيه الحبيب بغيره ... ولا نظم خدن الفضل بالجوهر الفرد.
بليغ أتاني منه معجز أحمد ... ومن يبدي بالفضل مستوجب الجهد.
خدين المعالي واحد العصر له ... محامد أدناها يحل عن العد.
لك الله قد حيرتني في مهامه ... البلاغة فاعذرني إذا حرت عن قصدي.
وأني قد أصبحت في دار غربة ... وفارقت أوطاني وأهلي وذا ودي.
وألهي عن الشعر الشعير ولم أكن ... لأحسن ما يحلو من النظم في النقد.
فلفقت لا أني أجاريك ناظماً ... كلامي على أن اتكالي على الود
فعذراً وستراً للقصور ودمت في ... نعيم بلا حصر ونعمى بلا حد
ولبعضهم:
يستوجب الصفح في الدنيا ثمانية ... لا لوم في واحد منهم إذا صفعا
المستخف بسلطان له خطر ... وداخل الدار تطفيلا بلا دعا
ومنذ أمره في غير منزله ... وجالس مجلساً عن غيره ارتفعا
ومتحف بحديث غير سامعه ... داخل في حديث أثنين مندفعا
وطالب الفضل ممن لا خلاق له ... ومبتغي الود من أعدائه طمعا
وللحريري صاحب المقامات:
جزيت من اعلق به وده ... جزاء من يبني على أسه
وكلت للخل كما كال لي ... على وفاء الكيل أو بخسه
ولم أخسره وشر الورى ... من يومه أخسر من أمسه
وكل من يطلب عندي جنى ... فا له إلا جنى غرسه
لا أبتغي الغبن ولا انثني ... بصفقة المغبون في حسه
ولست بالموجب حقاً لمن ... لا يوجب الحق على نفسه