وان مديح الناس حق وباطل ... ومدحك حق ليس فيه كذاب
إذا نلت منك الود فالمال هين ... وكل الذي فوق التراب تراب
وما كنت لولا أنت مهاجراً ... له كل يوم بلدة وصحاب
ولكنك الدنيا إلي حبيبةً ... فما عنك لي إلا إليك ذهاب
وقال يمدح المغيث بن علي بن بشر العجلي:
دمع جرى فقضى في الربع ما وجبا ... لأهله وشفى أنى ولا كربا
عجنا فأذهب ما أبقى الفراق لنا ... من العقول ولا رد الذي ذهبا
سقيته عبرات ظنها مطراً ... سوائلاً من جفون ظنها سحبا
دار الملم لها طيف تهدني ... ليلاً فما صدقت عيني ولا كذبا
أنأيته فدنا أدنيته فنأى ... جمشته فنبا قبلته فأبى
هام الفؤاد بأعرابية سكنت ... بيتاً من القلب لم تمدد له طنبا
مطلومة القد في تشبيه غصناً ... مظلومة الريق في تشبيهه ضربا
بيضاء تطمع فيما تحت حلتها ... وعز ذلك مطلوباً إذا طلبا
كأنها الشمس يعيي كف قابضه ... شعاعها ويراه الطرف مقتربا
مرت بنا بين تربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا
فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ... ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسب
جاءت بأشجع من يسمى وأسمح من ... أعطى وأبلغ من أملى ومن كتبا
لو حل خاطره في مقعد لمشى ... أو جاهل لصحا أو أخرس خطبا
إذا بدا حجبت عينيك هيبته ... وليس يحجبه ستر إذا احتجبا
بياض وجه يريك الشمس حالكة ... ودر لفظ يريك الدر مخشلبا
وسيف عزم ترد السيف هيبترطب الغرار من التأمور مختضبا
عمر العدو إذا لاقاه في رهج ... أقل من عمر ما يحوي إذا وهبا
توقه فإذا ما شئت تبلوه ... فكن معاديه أو كن له نشبا
تحلو مذاقته حتى إذا غضبا ... حالت فلو قطرت في الماء ما شربا
وتغبط الأرض منها حيث حل بها ... وتحسد الخيل منها أيها ركبا
ولا يرد بفيه كف سائله ... عن نفس ويرد الجحفل اللجبا
وكلما لقي الدينار صاحبه ... في ملكه افترقا من قبل يصطحبا
مال كأن غراب البين يرقبه ... فكلما قيل هذا مجتد نعبا
بحر عجائبه لم تبق في سمر ... ولا عجائب بحر بعدها عجبا
لا يقنع ابن علي نيل منزلة ... يشكو محاولها التقصير والتعبا
هز اللواء بنو عجل به فغدا ... رأساً لهم وغدا كل لهم ذنبا
التاركين من الأشياء أهونها ... والراكبين من الأشياء ما صعبا
مبرقعي خيلهم بالبيض متخذي ... هام الكماة على أرماحهم عذبا
أن المنية لو لاقتهم وقفت ... خرقاء تتهم الإقدام والهربا
مراتب صعدت والفكر يتبعها ... فجاز وهو على آثارها الشهبا
محامد نزفت شعري ليملأها ... فآل ما امتلأت منه ولا نضبا
مكارم لك فت العالمين بها ... من يستطيع لأمر فائت طلبا
لما أقمت بانطاكية اختلفت ... الي بالخبر الركبان في حلبا
فسرت نحوك لا ألوي على أحد ... أحث راحلتي الفقر والأدبا
إذاقني زمني بلوى شرقت بها ... لو ذاقها لبكى ما عاش وانتحبا
وان عمرت جعلت الحرب والدة ... والسمهري أخاً والمشرفي أبا
بكل أشعث يلقى الموت مبتسماً ... حتى كأن له في قتله أربا
قح يكاد صهيل الخيل يقذفه ... من سرجه مرحاً بالعز أو طربا
فالموت أعذر لي والصبر أجمل بي ... والبر أوسع والدنيا لمن غلبا
وقال يمدح علي بن منصور الحاجب:
الشموس الجانحات غواربا ... اللابسات من الحرير جلاببا
المنعبات عيوننا وعقولنا ... وجناتهن الناهيات الناهبا
الناعمات القاتلات المحييا ... ت المبديات من الدلال غرائبا
حاولن تفديتي فخفن مراقباً ... فوضعن أيديهن فوق ترائبا
وبسمن عن برد خشيت أذيبه ... من حر أنفاسي فكنت الذائبا
يا حبذا المتحملون وحبذا ... واد لثمت به الغزالة كاعبا
كيف الرجاء من الخطوب تخلصا ... من بعد ما أنشبن في مخالبا
أوحدنني ووجدن حزناً زاحداً ... متناهياً فجعلنه لي صاحبا